كنت من الصحفيين القلائل الذين شهدوا تأسيس وانطلاق اول صحيفة اليكترونية عربية كمشروع إعلامي خاص وهي صحيفة إيلاف الإلكترونية أواخر مايو 2001، التي اطلقها ورأسها الصحفي السعودي المعروف عثمان العمير بعد تركه صحيفة الشرق الأوسط..
كنتُ حينها في نادي دبي للصحافة، لكني لم استطع الكتابة فيها او العمل بها رسمياً بسبب الخوف من الشيخ زايد بن عويضة الذي كان لايسمح لأي صحفي او موظف لديه ان يمد إلى غيره، وكانت لديه حساسية مفرطة في هذا الجانب، يعالجها بالبتر، أي بتفنيش وترحيل كل من يثبت عليه العمل او التقديم لدى جهة اخرى..
وبعد خروجي مباشرة من الوحدة بدأتُ العمل في إيلاف والخليج مع بعض، فكانت تنشر لي اعمالي في ايلاف تحت اسم محمد الخامري من الساحل الشرقي، ولم يكن هناك أي اعتراض من صحيفة الخليج، وبالتالي كانت لديّ مخصصات مالية أخرى من إيلاف غير مرتب الخليج، كانت تساعدني في ان لااصرف اي مبالغ من مرتب الخليج..
غادرتُ الإمارات من مطار ابوظبي نظراً لأن إقامتي السابقة من هناك..
كانت الرحلة الساعة التاسعة صباحاً، اتفقتُ مع حسن، وهو السائق الخاص بالمكتب من الجنسية الهندي ان يأتيني للبيت في الفجيرة الساعة الخامسة فجراً، وانطلقنا باتجاه ابوظبي، لكن سواقته كانت هادئة جدا ولخوفي من فوات الرحلة أوقفته في منطفة الذيد مابين الشارقة والفجيرة وكان فيها محلات جديدة للحلاوة العمانية بدأت تنتشر هناك، وهو يحبها كثيراً، نزلنا لشراء الحلوى ثم قدت السيارة بنفسي كي اضمن الوصول إلى مطار ابوظبي قبل الموعد..
وصلنا قبل ساعة من الموعد، ونحن بالقرب من المطار جاء احد الشباب الطائش يريد ان بسبقني واقترب كثيراً مني حتى احتكت السيارتان وطارت المراية الخاصة به.. توقفنا وخرج يصيح ويسخط ويتذمر، وانا صامت، لانه مواطن إماراتي وممكن لو رددت عليه وتعاركت معه ستكون العواقب وخيمة، ولأني أيضا لااريد تكبير الموضوع كي لااتاخر على الطيارة، وماهي الا لحظات حتى جاءت سيارة المرور وكان عسكري عماني، وصل والرجل الآخر مستفز جدا وانا ساكت، هدأه وطيب خاطره وامتص غضبه بعد جهد جهيد، ثم طلب رخص السواقة منا الاثنين..
اخرجنا الرخص وكانت المفاجأة ان ذلك الشخص سوري الجنسية وليس مواطن إماراتي، لكنه فقط يجيد اللهجة تماما، اضافة إلى اللبس الذي يلبسه بالطريقة الاماراتية، فما كان من الشرطي؛ وكان يبدو محتقناً من تصرفاته السابقة وهو يحاول تهدئته، إلا ان وبّخه توبيخا محترماً، وأعطاه كلام قاسي.. كان يقول له زلمه وتصيح كذا في الشارع تقلد ان مواطن..
ورغم اني كنت مستعجل إلا ان الموقف راق لي جداً فقد كان شاباً قليل الحياء والأدب، أساء إلى نفسه وأهله الذين لم يحسنوا تربيته، ويسيء للشعب الذي ينتمي إليه، وهو شعبٌ أبي نحترمه ونجله جداً..
أخذ الرخص منا وقال ستأخذونهن من شركات التأمين بعد يومين، تركتها وغادرت باتجاه صنعاء على أمل ان اعود بعد أسبوعين وآخذها، لكنها لم تعد إلى اليوم رغم مرور 21 عاما، وأنا بحاجتها جدا هذه الأيام..!!
وصلت صنعاء الأربعاء، وارتحت الخميس والجمعة، ثم عاملت جوازات رياض وامه، ويوم الثلاثاء نزلنا القرية لزيارة الوالدة، وبعد يومين وبينما نحن فوق السقف نشرب الشاي بعد العصر، ونضحك ونتسلى برياض الذي كان عمره آنذاك سنة وشهرين، سألتُ الوالدة ضاحكاً هل يشبهني رياض والا انا احسن منه، فقالت أحلى منك بألف مرة، ثم استدركت وقالت لكن عسل بضاحة (هاية)، قلت لها ليش عسل بضاحة، قالت يعلم الله هل بشوفه بعد هذي الايام والا لا..
حاولتُ أشركها فيما أفكر فيه وأخطط له، وانها ستكون تأتي زيارات، واحنا نعود في الاجازات، قالت قلبي مش موافق ياابني، بعدما تاخذ زوجتك وابنك يعلم الله بتذكرنا والا خلاص، ثم امتلأت عيونها بالدموع وهي تحاول ان تحبسها، التفتت إلى الناحية الثانية كي لاارى دموعها لكني قفزت إلى الناحية الثانية وقلت لها لو مش موافقة على سفري خلاص ماعد بسافر، قالت قلبي مش موافق واني مااشاش اكسعك (مااشتيش اقهرك)..
قلت لها باقي معانا اسبوع نفكر فيه، ونوصل إلى قرار انا وانتي، قالت تمام..
كان هذا يوم الخميس، وانا اتحاشى ان افتح الموضوع وحائر كيف ارضيها وأقنعها بأني لايمكن انساهم، ولاادري أي منطق هذا الذي كانت تفكر فيه.!!.
صباح السبت 23 مارس 2002 وقد رقدتُ بعد الفجر على غير عادتي لأني كنت صائم تاسوعاء محرم، فإذا بي أصحو على صوت الموبايل وكان معلق في القمرية لأن الشبكة كانت ضعيفة جدا ولاتأتي إلا بالقمرية ثم نطلع السقف نتكلم..
قمت ورديت على شخص عرّفني بنفسه انه محمد سالم من السفارة الإماراتية وطلب مني الحضور غداً، قلت له انا في القرية وسأمر عليكم ان شاء الله الأربعاء او السبت القادم، واتفقنا على ذلك..
كنت اظن وبعض الظن إثم؛ انه سيعطيني التأشيرة للعودة، فقلت أكسب هذه الايام كي أعيش مع الوالدة والاخوان وأقنعها بخطأ ماتفكر فيه، وانني لايمكن انساها واخواني ابداً، وهي كانت امامها بعض النماذج لأشخاص من القرية هاجروا إلى اميركا آنذاك وانشغلوا بحياتهم ولم يعودوا حتى اليوم..!!
حاولت معها كثيراً حتى تعبت وهي أيضاً يئست من تراجعي لاني بالفعل كنت متحمس جداً وأرى الحياة ابتسمت لي هناك، وكانت هناك فرص أخرى لأعمال إضافية لازلت اناقشها كمسئول اعلامي للجمعية ومستشار اعلامي لقصر الحاكم وأشياء كثيرة كانت تجعلني أصر على العودة للفجيرة، حتى اشعرتني رحمها الله بأنها وافقت وانها راضية عن سفري مع رياض وامه..
قالت انها سترافقني إلى صنعاء.. (بكحل عيني بك لما يقول ربي خلاص يكفيك) وأخذتها صنعاء وذهبت اليوم التالي للسفارة لأخذ التأشيرة، لكن المفاجأة كانت ان هناك اعتذار من السفارة وان سبب الاتصال كان لإخباري اني ممنوع من دخول الدولة..
كيف ممنوع، ماهي الاسباب، من الذي اصدر المنع، ماهو الخطأ الذي ارتكبته، ماذا وليش وكيف، وكل صيغ الاستفسار والاستنكار طرحتها على الاخ محمد سالم وكان هو مسئول التأشيرات تقريبا فقال انه لايعرف شيء، وأراني ورقة فاكس من الهجرة والجوازات الاماراتية بأن المواطن اليمني محمد عبدالغفور الخامري يحمل جواز رقم... ممنوع من دخول الدولة.. وموقعة ومختومك بدون اسم..!!
خرجت من السفارة كالمصدوم، واتصلت بالحاج عباس الاحمدي في الشارقة وكان عنده الخبر. وقال ان الامر بالمنع جاء من امن ابوظبي، وان الدكتور عبدالله عمران رئيس مجلس الإدارة وكان وزير سابق يسعى بنفسه لمعرفة الأسباب وان شاء الله سنجد لها حل، اطمئن..
وبعد يومين اتصلتُ به فقال انه في العادة ان اي شيء من امن ابوظبي غير قابل للنقاش في الامارات الأخرى لكن هناك من وعد الدكتور عبدالله انه سيجد السبب، واذا عرفنا الاسباب سنستطيع معالجتها، وبعد اكثر من شهر من الاتصالات والرسائل الإلكترونية أخبرني الحاج عباس انهم عجزوا عن معرفة السبب وان آخر توجيه من الدكتور عبدالله هو صرف كافة مستحقاتي إلى اليوم كأني مداوم بالصحيفة، إضافة إلى شهر مكافأة، وقال ان مكانك موجود بيننا في أي وقت تقدر تدخل الدولة..
هنا كانت الكلمة الفصل وبعدها يجب ان ابحث عن البديل فوراً..
غداً ان شاء الله بدء رحلة شاقة للبحث عن عمل في السعودية ولقائي بجمال خاشقجي رحمه الله..