أواخر يوليو 2014 جاءني الصديق القيادي في جماعة الحوثيين آنذاك علي البخيتي، وقال لي: صحيفتك ضمن الصحف المصنفة مع الاصلاح..!
حاولتُ اناقشة فقال انا مش جايي أهددك، انا اقلك بس بحكم الصداقة الي بيننا، قلت له شكراً جزيلاً واعتبرتها رسالة ربما لم يقصدها البخيتي لكن الله ساقه لي كي أحافظ على الشركة، لأن الصحيفة والشركة كانتا في مبنى واحد..
اتخذتُ قراراً بإغلاق الصحيفة آنذاك قبل دخول الحوثيين إلى صنعاء، كي لاادع لهم مبرراً لاقتحام المبنى وحينها لن يفرقوا بين الصحيفة والشركة..!!
إصدار الصحيفة حينذاك كان سيصادف يوم عيد الفطر المبارك، فنوهتُ في العدد الذي سبقه اننا سنتوقف لإجازة العيد، وأعطيت نفسي مهلة أسبوعين للتفكير والاستشارة وقياس الوضع حسب التصعيد على الأرض لأن الرئيس حينها قال إن عمران خط أحمر، ثم سمح لهم بدخولها بأسلحتهم للتظاهر ضد اللواء 310 الذي كان يقوده اللواء البطل حميد القشيبي رحمه الله، الذي خذله هادي ورفض تعزيزه ودعمه في مواجهتهم، ثم بعد استشهاده وسيطرتهم على معسكره، ذهب هادي يشاركهم الاحتفال بالنصر، وقال كلمته المشهوره: عمران عادت إلى حضن الدولة.
استطعت بعلاقاتي الواسعة، وكصحفي ومتابع لما يجري في الساحة، معرفة العديد من الأخبار التي كانت تدل على ان هناك أجندة مرسومة وممولة يتم تنفيذها بدقة، والحوثيين وهادي وآخرين في صنعاء، مجرد بيادق وأدوات يقومون بتنفيذها على الأرض، وعلي عبدالله صالح ليس بعيدا عنها، فقد كانت الاجندة تخدمه وتنتقم له من خصومه، ولابد ان يتماهى معها، وهذا ماحصل حين وجه المشائخ والاعيان التابعين له وقيادات حزبه في حاشد ان يسمحوا للحوثيين بالمرور من مناطقهم وعدم اعتراضهم، مقابل عدم تعرضهم لأصحابه، وان هدفهم جميعاً واضح: بيت الاحمر وحزب الإصلاح ومن لفّ لفهم وتشدد لهم..!!
أحدهم وهو صديق قديم، كان يعمل في الامن السياسي زارني مساءً إلى بيتي؛ على غير عادته، وذلك قبل دخولهم صنعاء بأكثر من شهر واخبرني انه في تلك اللحظة ابوعلي الحاكم وجلال عبدربه مجتمعين في منزل وزير الدفاع محمد ناصر احمد، وطلب مني إبلاغ علي محسن..!!
قلت له ليش، وبأي صفة ابلغه، قال انت صاحبه، قلت له من قلك اني صاحبه، روح انت بلغه..
هذا الحوار وتلك الزيارة جعلتني أتخذ قرار إيقاف الصحيفة تماماً، وجعلتني أشك في كل شيء حولي، شكيتُ في ذلك الرجل انه مبعوث من الحوثيين رغم انه لاعلاقة له بهم وتأكدت من ذلك في وقت لاحق، قلتُ ربما هو استدراج ليقيسوا مدى علاقتي بعلي محسن، او يجعلوا اتصالي مبرراً لاستهدافي فيما بعد.. المهم عشتُ تلك الايام مشتت الذهن، متحفز جداً، غير مستقر، كانت أيام عصيبة ومرهقة جداً..
تأكدتُ فيما بعد من هذا الخبر وكان صحيحاً وقد وصل لعلي محسن وغيره، وحصلت مشكلة حوله، لأن هادي نفى علمه به ودافع عن ولده الذي قال انه لايمكن ان يعمل هكذا بدون إذن منه..!!
على ذكر علي محسن الاحمر، هذا الرجل الغامض الذي كان هناك الكثير ممن يحسبوني عليه، وقد سألني الرئيس صالح رحمه الله ونحن في سيئون عن علاقتي باللواء علي محسن فقلت له لااعرفه، ابتسم وغير الموضوع، وكأنه يقول لي انت كذاب، رغم اني كنت صادق في ذلك، إذ لم أره في حياتي إلا مرتين، الأولى في المهرجان الانتخابي لصالح بمحافظة الجوف حيث فوجئت به جنبي في المنصة، وسلمتُ عليه سلاما عابرا ونحن نتابع المهرجان، وأعتقد انه لم يعرفني آنذاك لأن صورتي لم تكن مألوفة ومعروفة قبل الصحيفة الورقية..
والمرة الثانية بعد عودتي من مصر عام 2012 أحد الأصدقاء القريبين منه أخبره بعودتي فطلب رؤيتي وزرته إلى الفرقة الأولى مدرع.. ذهبتُ حسب الموعد، وصلت البوابة الغربية فاتصلوا وانتظرتُ هناك إلى ان جاء ضابط ومعه أفراد، وطلب مني ان اتبعه بسيارتي، مشينا مسافة لابأس بها ثم قال لي وقف سيارتك واطلع معنا.. طلعت معهم ولفينا كثير من الأماكن في إطار الفرقة ذاتها حتى توقفنا أمام مبنى وترجلنا.. دخلنا بوابة، كان مبنى جديد لكنه مهجور وعلى بلاطه تراب ناعم كثير، طلعنا درج ثم طرقة ضيقة ونزلنا درج آخر وكأننا في مغارة او نفق يؤدي إلى مبنى آخر..
وصلنا المبنى الآخر وطلعنا الدور الثاني وانتظرت بجوار المكتب، قالوا ان معه شخص آخر..
صالة الاستقبال كانت عبارة عن فراشات وبطانيات عسكر، لاكراسي ولا مكاتب..
خرج من كان عنده ودخلت عليه، كان في غرفة صغيرة فيها مكتب صغير جدا وهو يجلس في كرسي الضيوف مش فوق المكتب، كان عنده الدكتور عبدالغني الشميري وعسكر زعيل وثالث لااعرفه، كانوا واقفين وهو الوحيد جالس، نهض لاستقبالي وفيما انا اسلم عليه وضعتُ يدي اليسرى على ظهره لاشعورياً، فإذا بعسكر زعيل يمسك يدي ويرفعها عن ظهره..!!
أشاد بدوري في الثورة وانه كان يتابعني باهتمام وتحدثنا لنصف ساعة تقريبا، ثم سألني عن الصحيفة وكم تطبع وماذا أحتاج، شكرته وقلت لااحتاج شيء، قال ايش رايك نتحمل نص الكمية طباعة الصحيفة على حسابنا، قلت له شكراً..
وجّه بطباعة اربعة الف نسخة اسبوعياً على حسابه في مطابع الشموع عند الاخ سيف الحاضري والباقي على حسابي.. شكرته واستأذنت، وكانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي التقي فيها علي محسن الاحمر وجهاً لوجه وهو يعرفني وفي لقاء خاص..
الزميل الحاضري طبع لي سبعة أعداد ثم رفض الطباعة إلا بعد تسديد السابق، وطلب مني ان اذهب للفندم كي يصرف الفواتير، فقلتُ له شكرا جزيلاً تابعها بنفسك، ورجعت للمطابع التجارية بالثورة كما كنت في السابق..
بعد نهب معدات الشركة وعدم استطاعتي مواصلة العمل في صنعاء، قررنا انا وشريكي المصري الانتقال إلى عدن وفتح مكتب جديد وعمل استديوهات خاصة هناك، طلبتُ من أخي المهندس عزيز ان ينهي عقد الإيجار في صنعاء، ويسدد مرتبات الموظفين ونقل مابقي لنا من معدات ومكاتب وأثاث إلى عدن، وهناك سنستعيد عملنا بمعدات جديدة سنرسلها من القاهرة بدلاً من تلك التي نهبها الحوثيين..
استأجرنا سيارة دينة لمهرب بارع بمبلغ كبير جداً لنقل ماتبقى من المكتب إلى عدن، كانت الامور آنذاك حامية ونقاط التفتيش مكثفة والدنيا طوارئ، والحمدلله وصلنا عدن..
استأجرنا مقر رائع وأثثناه وجهزنا استوديوهاته وكافة تجهيزاته على أعلى المستويات، وبدأنا الشغل والحمدلله كانت الامور جيدة ومبشرة بتعويض ماضاع منا في صنعاء، لكننا كنا نواجه النزعة العنصرية، وكان عزيز اخي يبدي مخاوفه من بعض الحراكيين الجنوبيين الذين يأتون كضيوف لبعض القنوات الفضائية، وبمجرد ان يعرفوا انه من تعز تتغير معاملتهم له، كنت اشجعه ان يندمج معهم ويصاحبهم ويكسر الحاجز الذي بينهم فالناس وحوش حتى يتعارفوا..
بدأت الامور تتحسن شيئاً فشيئاً إلى ان جاء أحدهم وهو للأسف زميل إعلامي، عندما علم ان المكتب يتبعني ثارت ثائرته، أبلغ كل الجهات العنصرية في عدن بأني تعزي دحباشي، اصلاحي إخواني، ضد الجنوب وضد الانفصال وضد تقرير المصير، وجاب أشياء كثيرة لفقها لي، وعمل بكل جهده لإغلاق المكتب..!!
كانت لدينا عقود عمل مبرمة مع كل القنوات التي نعمل لها وغالبيتها تمويل اماراتي كقناة سكاي عربية والغد المشرق وابوظبي وغيرها، وفجأة يأتي اتصال من جهة إماراتية لشريكي المصري يستفسرون عن موقعي في شركة عدن، فقال لهم اني شريك، فخيروه؛ إما ان ينهي الشراكة معي وتبقى العقود والعمل كما هي، او يتمسك بشراكته معي ويتم إلغاء كل العقود التي تدر عليه ارباحاً بمئات الآلاف من الدولارات..!!
اتصل بي شريكي وانا بالقاهرة، وحددنا موعد طارئ للاجتماع ووضعني بالصورة كما هي بدون رتوش، لم يكن لديّ خيار، إما ان ارفض فض الشراكة ونسدد الايجارات والمرتبات من داخل وربما ينهب الحراكيون المكتب، او أقبل فض الشراكة والله يفتح علينا وعليه، واتفقنا على إنهاء الشراكة، وبعدها بشهر واحد فقط تم الاستغناء عن اخي عزيز والحمدلله رب العالمين على كل حال..