عام 2005 صادف وجود الدكتور عمر عبدالعزيز المشرف العام لمجلة كل الاسرة الصادرة عن الخليج، في دار الرئاسة بصنعاء في إحدى المناسبات الوطنية؛ لااتذكرها، فقال لي ان الجماعة في ادارة الخليج كانوا يبحثون عن عنواني او رقم تلفوني قبل فترة، لأني كنتُ اتواصل معهم آنذاك بتجوال التلفون الاماراتي..
عندما عدتُ إلى البيت اتصلت بالحاج عباس الأحمدي وأخبرته بما قاله لي الدكتور عمر فقال نعم بحثنا عنك كثيراً، عرفنا سبب منعك من دخول الدولة والدكتور عبدالله عمل لك استثناء وممكن تجي لو حبيت في أي وقت..
قلت له الأهم ان أعرف السبب وبعدها سأفكر هل أعود أم لا.. قال كانت هناك شكوى رفعت من السفارة الاميركية لوزير الاعلام عبدالله بن زايد بثلاثة كتاب، حبيب سالم وهو مواطن اماراتي، وانت وآخر مصري، فالوزير أحال المواطن للتحقيق، وعمل ترحيل للمصري، وكتب ان اليمني إذا خرج من الدولة لايعود، وتم تسجيل بياناتك في سجلات الممنوعين من دخول الدولة منذ ذلك التاريخ، لكن الدكتور عبدالله جاب لك استثناء وإلغاء الأمر..
طبعاً الدكتور عبدالله عمران تريم رئيس مجلس إدارة الخليج كان وزيرا في عدة حكومات سابقة للعدل ثم للتربية، وكان مستشارا للشيخ زايد بن سلطان، وله علاقات واسعة بالدولة ولم يستطع معرفة سبب منعي من دخول الدولة إلا بعد اكثر من سنتين تقريباً..!!!
إلى هذه اللحظات 2005 لم أكن قد تحسنت أحوالي مادياً، إلا اني الحمدلله مستور، لاسيما بعد انتشار محلات الانترنت والاتصالات بشكل كبير بجوارنا، وبالتالي أصبحت محلاتي تدر دخلاً بالكاد يغطي نفقاتها ولايفيض إلا القليل، وكانت المستحقات التي تصلني من ايلاف لاتتعدى الاربعمائة دولار فقط، وفارق الصرف كان يخدمني، وكنت أمشي بأسلوبي المعتاد، ألا احتاج لأحد ولااتحدث في الجوانب المالية مع أحد، فكانوا يعتقدون اني أستلم آلاف الدولارات، إضافة إلى اني قد تعرفت على نخبة المجتمع في اليمن، ووصلتُ إلى صناع القرار، وأصبح لديّ مصادري الخاصة وقاعدة بياناتي الذاتية وادواتي الصحفية المهمة، وكنت تلك الايام قد تقدمت بطلب إصدار صحيفة إيلاف الورقية إلا ان الاستاذ محمد شاهر والوزير حسين العواضي ماطلوني طويلاً ورفضوا منحي الترخيص الا بعد اكثر من سنتين، وفوق هذا وذاك رغبة والدتي المتشبثة بي، والرافضة خروجي من جوارها؛ قررتُ الاستمرار في اليمن وعدم الاغتراب مرة أخرى، واعتذرت عن العودة إلى الخليج او الإمارات عموماً..
أثناء الزخم الانتخابي قبل انتخابات الرئاسة 2006 قلتُ للرئيس صالح ان هناك مشائخ في تعز مهملين ولايلتفت إليهم، وانهم يملكون شعبية كبيرة لو استمالهم، فقال معانا فلان وفلان وذكر ثلاثة أو اربعة مشائخ من الحجرية..
قلتُ له ان عمي مسجل في مصلحة شئون القبائل كشيخ ضمان (شيخ مشايخ) لكنه بدون مرتب ولا اعتماد مالي، قال خليه يجي ونشوف مامشكلته..
اتصلتُ بعمي اخو والدي، وجاء من البلاد وهو معتمد منذ التسعينيات في شئون القبائل لكن بدون مرتب،
التقينا بالرئيس، كنا الثلاثة فقط، جلسنا في أحد الاكواخ الخشبية في حديقة الرئاسة، وشرح له ملابسات موضوعه وتعنت رئيس المصلحة الذي كان يتحجج بالتعزيز المالي من المالية، ثم بدأ صالح يسأل عن الاخمور وعن حمام علي، وعن شق الطريق إليها وأسهب كثيراً في شرح ثلاث طرق تؤدي إلى الاخمور، شخصياً كنت لااعرف الا اثنتين، وكأنه يحفظ الجغرافيا اليمنية بتفاصيل دقيقة جداً..
قبل الدخول عليه كنت أقول لعمي عبدالإله إذا سألك ايش تشتي، قله مرتب شهري واعتماد مالي وسيارة واعتماد اولادك عسكر في أي معسكر كما قال لي أحد الأصدقاء الذي سمع الرئيس وهو يقول خليه يجي..
بعد انتهاء المقابلة قام الرئيس من مكانه وودعنا وهو يقول أي خدمات، قال عمي شكراً جزيلا ومشينا وانا زعلان من داخلي..
قلت له ليش ماطلبت زيما اتفقنا، قال يابن اخي عيب، شقول شيخ جاء يشحت، لطمت على جبهتي وقلت له ياعم كل الناس تطلب منه، هذا رئيس دولة مش فاعل خير، وبينما نحن نتناقش في هذا الامر اتصل الاستاذ عبده بورجي رعاه الله، وقال اين وصلتم، قلت له في السبعين جنب المنصة، قال هيا ادخلوا الجامع واسألوا عن علي مقصع.. الرئيس حول للشيخ بحق الطريق..
تلك الايام كان لايزال جامع الصالح في طور الإنشاء ولم يكن قد اكتمل، دخلنا إلى مقصع ووجدناه قد توضأ لصلاة الظهر، صلينا معه وبعدها سأل اين الشيخ عبدالاله سعيد الخامري، وأعطاه بندلين مقرطسين من ابو ألف، مليون ريال، وقال وين محمد الخامري، وكنت انتظر بندلين مثله بعدما وقعت، وكانت بنادل الفلوس مرصوصة داخل دولاب او خزنة بجواره؛ فإذا به يتناول بندل ويفتحه ويخرج ثلاثمئة الف ريال وناولني، وهذا كان اول مبلغ استلمه من الرئيس علي عبدالله صالح، وثبت عليه، كأنه مقرر في كل المحطات التالية إلى 2011 كانت كل حوالاته بثلاثمئة الف ريال فقط رغم ان غيري كان يستلم الملايين لانهم كانوا يطلبوا ويقدموا المعاريض، والحمدلله عشتُ مستور الحال مجهوب أمام الناس يظنون ان معي الملايين..
في الجولة الانتخابية ذهبت معه إلى كل المحافظات تقريباً، وفي الأخير كان المبلغ الذي استلمته ثلاثمائة الف ريال فقط، وفي زيارتنا الخارجية كانت قريبة منها لكن بالدولار، وحتى عندما طلبتُ منه دعم الصحيفة الورقية حوّل بثلاثمئة الف، وحينما طلبتُ مساعدة علاجية بعد إجراء العملية الجراحية لي 2008 حول بذات المبلغ، وهذه هي المبالغ التي أذكرها من الرئيس صالح رحمه الله..
وقبل انطلاقنا إلى إحدى المحافظات سألني هل استلمت توجيه المرتب للشيخ، قلت له لا، قال خذه من عبده، ذهبتُ للاستاذ عبده في المساء فأعطاني توجيه بمرتب عشرين ألف ريال شهريا، قلت له هذا امتهان وليس مرتب..
اخذت التوجيه، وفي اليوم التالي طلع الزملاء الباصات للتحرك لجولة انتخابية وانا انتظرت الرئيس، كان يتكلم مع اللواء البشيري وبعد ان فرغ أعطيته التوجيه قلت له الشيخ يشكرك ويعتذر عن قبول هذا المبلغ، قال تهمة على الفاضي، ضحك وقال خلاص مر على الاستاذ عبده بورجي في الليل ولاتكونش تعلمه، والله انك انت مش راضي مش هو.. وفعلاً كتب توجيه آخر بخمسين الف ريال، واستحيت ان أرده مرة أخرى..
بعد أكثر من سنتين من التعنت وافقت وزارة الإعلام على اصدار صحيفة إيلاف الورقية، وبدأت مرحلة التأسيس، استأجرتُ مكتباً في شارع القيادة أمام فندق سام وبدأت أستقطب بعض الصحفيين الشباب للعمل معي بالقطعة ولم أجرؤ على توقيع عقود شهرية لأني لم اكن املك ميزانية كافية، وأخاف من العتاب والشكاوى وتأخير المرتبات وانكشاف سترك امام الناس..
كان أكبر المشجعين لي على الاصدار الورقي الدكتور عبدالله المقالح رعاه الله الذي عرفته في صنعاء أثناء مشكلتي مع الدكتور فضل ابوغانم حول النقل الجماعي للطالبات بجامعة صنعاء، لكنه لم يستطع عمل شيء آنذاك، وتعززت علاقتي به كثيراً عندما تم تعيينه ملحقاً ثقافياً بعد ذلك في الإمارات، وفي صنعاء بعد انتهاء فترته، حيث كتب عموداً اسبوعيا بعنوان (مخازن في الذاكرة) من العدد صفر وحتى آخر عدد صدر قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء سبتمبر 2014..طبعاً اختلفتُ مع عثمان العمير الذي لم يكن موافقا على عمل صحيفة ورقية بنفس الاسم، وتركت ايلاف الالكترونية وكرستُ جهدي ووقتي كله لما اعتبرته مشروعي الشخصي.. كنت أعمل فيها عمل اكثر من خمسة موظفين نظرا لأني لااستطيع التوظيف، فقد كنت الناشر ورئيس التحرير، ومحرر الاخبار، والمدقق التحريري، والمصحح اللغوي، وكاتب المانشيتات، والمخرج في البداية لثلاثة او خمسة أعداد تقريباً ثم استطاع المخرج المبدع مصطفى القعاري ان يواصل على نفس النمط الذي اخترته من البداية، بل وطوّر كثيرا في إخراج الصحيفة بعد ذلك، واستمر معي إلى آخر عدد..
لم استطع شراء جهاز اخراج ماكنتوش ولاطابعة ليزر، وكنت اتعامل ايضا بالقطعة مع المخرج مصطفى، العدد كاملاً إخراج وطباعة وأجهزة حتى خروجه للمطبعة..
كنت أحجز نفسي منذ مابعد عصر الجمعة وأسهر في المكتب إلى الثانية فجراً اقرأ وأحرر وأراجع وأصحح كل مايرد من اخبار ومقالات ومواد صحفية سواءً من الفاكس او الايميلات او الزملاء المتعاونين، وهكذا اداوم كل السبت، ويوم الأحد، وأستمر سهران إلى ان تخرج الصحيفة كاملة، وغالباً اعود البيت بعد فجر الإثنين بعد ان تذهب الصحيفة للمطبعة..
كنت ارتاح من الإثنين إلى عصر الجمعة، ثم تبدأ عجلة العدد القادم وهكذا لمدة سبع سنوات هي عمر صحيفة إيلاف.. نفس البرنامج حتى عندما اكون خارج اليمن، إذ يتم إرسال كل شيء إلى بريدي الإلكتروني، وحتى الفاكسات تطبعها السكرتيرة وترسلها للبريد، وتتم نفس العملية كأنني في صنعاء..
كانت إيرادات الصحيفة تغطي نفقاتها والحمدلله، وكانت بعض الإعلانات التي تصرف كل ستة اشهر مثلاً تعمل لي ملاءة مالية جيدة والحمدلله عشتُ مستور الحال بسيارتي الفيتارا 97 التي اشتريتها عام 2005، وباعها اخي رياض قبل سنة عندما قرر مغادرة اليمن إلى أوروبا..
لم اتذمر، ولم اشكو لأحد ولم يعرف احد كيف كان حالي ووضعي المالي، الحمدلله مستور وهذا هو الأهم لديّ.. كنت أرى نفسي احقق نجاحات على المستوى الصحفي والعلاقات الخاصة بالشخصيات العامة من المسئولين والوزراء ورجال الاعمال وقادة الاحزاب السياسية والمشائخ وغيرها من العلاقات التي تعطيك وجاهه بين الناس، فليس كل شيء المال..
كان يحز في نفسي كثيراً احتسابي من قبل البعض على رجل الاعمال توفيق الخامري وشقيقه نبيل، الذين كانوا لاينفون هذا الأمر بل قال لي بعض التجار انهم يؤكدون لهم ان صحيفة إيلاف تتبعهم ويصرفون عليها، وكان هذا يتسبب في عدم تجاوب التجار ورجال الاعمال للإعلان في إيلاف، سواءً بسبب خلافات شخصية او تجارية مع توفيق، او بسبب انهم ينظرون ان هناك من هو أحق بالدعم من صحيفة تاجر..!!
ومع ذلك لم أتحدث معهم او انفي علاقتهم بالصحيفة، وكنت قادر ان اعمل لفتة دائمة بالصفحة الأولى أو الأخيرة ان الصحيفة لاتتبع احد، لكني فضلتُ الصمت وانه عيب ان نتبرأ من بعضنا بطريقة التشهير..
كان هناك تضارب كبير في تصنيف إيلاف سياسياً او من تتبع من اقطاب البلاد وقياداتها، فكان هناك من يحسبها على الرئيس، وفي الاسبوع الآخر يحسبها على علي محسن، وفي الثالث على حميد الاحمر وهكذا دون تعب ولاكلل او ملل، كانت هواية البعض البحث عن تصنيف الناس، وكأنهم غير مصدقين ان هناك من يمكن ان يعيش حراً لايتبع أحد القيادات النافذة..
عمل وتخرج من إيلاف العديد من الشباب الذين أعتز بأنهم أصبحوا اعلاميين بارزين ومن مختلف التوجهات السياسية مثل أحمد الصباحي ورياض الاديب، وعبدالرزاق العزعزي, وعبدالله بن عامر وجميلة الكبسي وثابت الأحمدي، وامجد خشافة واكرم الفهد وغيرهم الكثير لاتحضرني اسماؤهم الآن..
كنت أعرف ألا ظهر حقيقي يسندني غير دعوات الوالدة رحمها الله رحمة واسعة، وليس لديّ من يمكن ان يحميني او يقف إلى جانبي، وكنت أحافظ على السمعة والهالة المرسومة حولي من علاقاتي بالرئيس او علي محسن او حميد او طارق او يحيى وغيرهم، ولااحاول ان انكرها كثيراً، وبالتالي أحرص ألا انكشف وأتعرى أمام اولئك الغوغاء الذين يشغلون انفسهم بتصنيف الناس وربما أذيتهم إن شعروا انهم بلا ظهر، وكنت أعالج كل المشاكل التي تعترضني بنفسي دون ضجيج، ودون اللجوء إلى النقابة لاصدار بيان تنديد او تضامن كما كان يفعل العديد من الزملاء الذي لو قرحت طماشة جنبه يتجه فورا للنقابة لاصدار بيان تضامن..
اليوم طالت الحلقة جداً.. وغدا نكمل بإذن الله