لاحظت من خلال تعليقات بعض الأصدقاء ان هناك فجوة لم يستطيعوا تجسيرها بين عودتي وعملي في محلات الانترنت، وكيف تعرفت مباشرة على الرئيس علي عبدالله صالح رحمه الله وحاشيته آنذاك، وهذا بسبب تقصيري في شرحها لأني اعتمدت على مااعرفه شخصياً وكأني احكي لناس من نفس البيئة التي عايشت الحراك الإعلامي آنذاك، وهذا خطأ مني أعتذر عنه..
كانت تلك الايام بداية الزخم الإلكتروني، لكنه كان ضعيف في اليمن، وينظر له كلعبة مسلية وتقليد ليس له أي فاعلية على الأرض..
وكانت صحيفة إيلاف الالكترونية آنذاك أول مشروع إعلامي حقيقي ممول على الانترنت، ولم تكن مجرد موقع إخباري عادي، إضافة إلى ان مالكها ورئيسها الاستاذ عثمان العمير كان قامة إعلامية بارزة، رأس الكثير من الصحف العالمية كان آخرها الشرق الأوسط التي رأسها لمدة عشر سنوات،حاز خلالها على ثقة الكثير من قادة العالم وحاورهم وكان من بينهم الملك فهد بن عبد العزيز والملك الحسن الثاني وزين العابدين بن علي وحسني مبارك ورفسنجاني وغورباتشوف وجاك شيراك ومارغريت ثاتشر وغيرهم، ولهذا كانت إيلاف متابعة جداً من خلال النخب السياسية لاسيما العربية، والخليجية خصوصاً، وكان صالح يتلقى بعض التعليقات او الاستفسارات عن أشياء تقع داخل صنعاء من شخصيات عربية، وكان يستغرب كيف علموا فيقولون قرأنا في إيلاف، إضافة إلى ان هناك نشرة يومية كانت تعدها وكالة سبأ للأنباء تقوم برصد كل مايكتب عن اليمن في الخارج، وكانت ايلاف حاضرة فيها يومياً، وكانت هذه النشرة توزع بشكل محدود على القيادات السياسية ومنهم مكتب الرئيس الذين كانوا يتابعون نشاطي يومياً، وبعدها تحولت إلى صحيفة يومية عامة اسمها السياسية..
سأل الرئيس صالح عن إيلاف وماهي ومن يمثلها في اليمن بعد ان رأى تأثيرها، سعت حاشيته للاتصال بي للتعارف؛ فمعرفة الشيء خيرٌ من جهله، والوجه من الوجه يستحي كما يقال، ومن هنا بدأت علاقتي بقيادات الدولة وقيادات العمل السياسي وفعاليات المجتمع المدني تتطور شيئا فشيئا حتى وصلتُ إلى قمة الهرم السياسي في الدولة..
يوم الاحد 17 يوليو 2005 كنا في القاعة الكبرى في الرئاسة لحضور الاحتفال الذي أقامه الرئيس علي عبدالله صالح رحمه الله بمناسبة ذكرى انتخابه للمرة الاولى عام 1978 ومرور 27 عاماً منذ ذلك التاريخ..
صالح فاجأ الجميع في كلمته التي ألقاها آنذاك بإعلانه عدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، والتي كانت مقررة في سبتمبر من العام المقبل 2006..!!
كنت أجلس بجوار الشيخ سلطان البركاني الذي تغير وجهه وابيضت شفتاه كأنما لدغته حية وهو يتلفت يمينا ويساراً كأنه يبحث في وجوه قيادات حزبه ردة فعل لذلك الإعلان.. حينها عرفتُ ان الامر غير متفق عليه في اطار المؤتمر وانه قرار مفاجئ ابن اللحظة..
خرجنا من القاعة وكان الجميع متذمر لهذا الإعلان، حتى ان بعض قيادات المؤتمر تلفظوا بألفاظ غير حصيفة ربما لظنهم ان القرار متفق عليه بعيدا عنهم كأشخاص..
كتبتُ بعدها مقالا مطولاً في إيلاف وأعادت نشره صحيفة الوسط صفحة كاملة عن سيناريوهات مابعد علي عبدالله صالح..
كان رداً على صحافة المؤتمر الشعبي العام والصحف الموالية والدائرة في فلكه، والتي خرجت بمانشيت عريض في صفحاتها الأولى؛ كان مستفزاً بشكل كبير (لا أحداً.. إلا أنت).. وكأن اليمن عقمت عن إيجاد رئيس غيره..
وبعد نشر المقال الذي ستجدون رابطه في التعليقات أقام الدكتور عبدالله الفقيه ندوة سياسية في منزله، استدعى فيها كل أصحاب الرؤى التي قدمت تعليقاً على إعلان صالح وكنت أحدهم، وبعد الندوة بثلاثة أيام تقريباً تم استدعائي لمكتب الصديق محمد شاهر في وزارة الإعلام وانضم إلينا لاحقا وزير الإعلام الذي كان حاداً فيما يخص انتقاد صحافة المؤتمر او التشويش على اجندتهم السياسية التي قال انها لاتتعارض مع الدستور والقوانين النافذة، طبعا كان يقصد استنفارها وتحشيدها للمظاهرات المطالبة بإثناء صالح عن قراره ومطالبته بالترشح، وكانت هذه اول مصادمة لي مع وزير الإعلام حينها حسين العواضي الذي لم ينساها لي واستمر في تعنتي بعدها حتى ذهب من الوزارة بعد أشهر معدودة..
بعد الانتخابات الرئاسية 2006 جاء مؤتمر المانحين بلندن، وكان الرئيس صالح رحمه الله قد قرر ان يأخذ وفد إعلامي كبير لمرافقته لذلك المؤتمر الدولي الذي يعد أول مشاركة خارجية له في ولايته الجديدة..
كنا اكثر من عشرين صحفياً، انا ونصر طه مصطفى وعبدالله الصعفاني وخالد سلمان ومحمد الاسعدي وعلي الجرادي ونبيل الصوفي وعرفات مدابش رحمه الله وكمال العلفي وسعيد الشرعبي وعبدالله الوزير وفيصل الصوفي وعبدالله الحضرمي وسمير اليوسفي وحسن العديني وحسن عبدالوارث وعلي السقاف عبدالمنعم الجابري رحمه الله، واحمد الجبلي وعصام البحري واسكندر الاصبحي وليعذرني من نسيته.
أهم حدثين يمكن ذكرهما في هذه الرحلة هما لجوء الزميل خالد سلمان رئيس تحرير الثوري آنذاك لبريطانيا، وشال الزميل سعيد الشرعبي رئيس تحرير منبر الشورى التي كانت تفريخاً سلطوياً لصحيفة الشورى، والذي اعتبر أنا شخصيا أن أهم ماميز رحلتنا إلى عاصمة الضباب تلك؛ ظرافة وخفة دم الشرعبي الذي أضفى على الرحلة جواً من المرح وكانت أروع حكاياته ورواياته في لندن "شال سعيد" الذي كنا نضرب به المثل في كل شئ، حتى ان القصة وصلت للرئيس صالح فكان أول سؤال له عندما رآه كيف الشال ياسعيد، بدلاً من كيف الحال..
تبدأ قصة شال سعيد الشرعبي أننا بعد أن انتهينا من جولتنا التي تهنا فيها ولم نصل إلى قصر لانكستر هاوس لحضور الجلسة الافتتاحية لمؤتمر المانحين، تقسمنا إلى مجموعات صغيرة حتى نستطيع التحرك بحرية أكثر خصوصا عند مراسيم افتتاح مجلس العموم البريطاني وانتظار مرور الملكة اليزابيت امام قصر باكنجهام الملكي، فكان نصيبي أن كنت مع الزملاء عبد الله الوزير، رئيس تحرير البلاغ، وعبد الله الحضرمي رئيس تحرير المؤتمرنت آنذاك، ورابعنا كان سعيد الشرعبي الذي قال إن برد لندن صاقع جدا ولابد من شال لكي يغطي رقبته، وفعلاً وبينما نحن في شارع بيكاديللي رأى محلاً فيه أصوافاً وكنزات وشيلان فقال وجدتُ ضالتي ودخل المحل، والأسعار هناك شبه محددة فسأل عن احد الشيلان الخفيفة التي تلف حول الرقبة وكان سعره 10 جنيه إسترليني (20 دولار) آنذاك، فاستحى سعيد خصوصا وأننا كنا ندفعه إلى أن يشتريه ونشجعه على ذلك حباً في المزح.
اخرج سعيد 100 دولار وأعطاه للبائع الذي اعتذر وطلب إسترليني فوجدها سعيد فرصة للهروب فقال خلاص ياجماعة نروح نصرف ونرجع، لكن عبدالله الوزير سامحه الله أكمل لعبته وأخرج 10 جنيه من جيبه وناوله أمام البائع فما كان منه إلا أن استحى واخذ الشال.
خرجنا من المحل إلى اقرب صراف وبعد الصرف قام يحسب بكم طلع الشال عليه باليمني فوجدها أكثر من خمسة ألف ريال لان الصراف أيضا ضحك عليه في قيمة الصرف ولم يصرف له الـ100دولار بـ 52 جنيه كما هو معروف، فضرب على رأسه وحلف يمينا انه بشارع جمال في صنعاء بـ200 ريال.
أحب الزميل عبدالله الوزير أن يكفر عن عملته مع سعيد فنصحه باستغلال الشال على أكمل وجه لأنه غالي الثمن وقال له بلهجته الصنعائية: اعمله على راسك وعلى أذانك ولفه على الرقبة واحقاوك، وخليه من ورا ومن قدام، واطرحه فوق كتفك، ولما ترقد حطه على السرير قدامك ودفيه قوي، اوبه لايبرد، وبعدا تقدر تأجّره على من يشتي يتشيخص، وهنا الايجارات غالية قوي.
وبعدها أصبح شال سعيد الشغل الشاغل لجميع الزملاء.. والى مطار صنعاء والزميل الودود عبد الله الصعفاني الذي كان يقف في كونتر آخر غير الذي يقف فيه سعيد وهو يناديه ويسأله (أين الشال) فيضحك سعيد ويقول قد سبق البيت يفرش..