بالامس كانت تتمة حياتي في الامارات بعد ان عدتُ منها ولذلك أقترح ان نسمي بقية الحلقات من اليوم رحلة الحياة..
طبعاً كنت لاازال اعمل مع صحيفة إيلاف الإلكترونية اعمال خفيفة باسم الساحل الشرقي، لكني بعد اسبوعين من المماطلة في موضوع التأشيرة اتفقت مع عثمان العمير على العمل من اليمن وبدأت اشتغل اخبار من صنعاء، وكان كل الشغل في ايلاف بالقطعة منذ البداية..
كانت القطعة من الساحل الشرقي تقدر بعشرين دولار، يعني قطعتين باليوم يفوا بالمصاريف آنذاك لاسيما وهو عمل اضافي جنب الخليج وليس اساسي..
كرستُ جهودي وتعبتُ كثيرا في اخبار صنعاء وكنت اعمل يومياً مالايقل عن خمسة اخبار، كي اعوض مافاتني في الخليج واستطيع ان ابقى مستور الحال انا وأسرتي، لكن وآهـ من لكن قام العديد من الزملاء الصحفيين من اليمن بإرسال طلبات للعمل كمراسلين للصحيفة من اليمن، فزاد العرض على الطلب كثيراً، وفعلاً تم قبول افضلهم من حيث الخبرات والمؤهلات وكانوا الزملاء عبده عايش وعزت مصطفى، وكنا نشتغل الثلاثة من صنعاء، وبعد فترة فوجئتُ برسالة من الإدارة ان المستحقات في صنعاء غير المستحقات في الامارات وسيتم تقديرها لاحقاً، وهذا كان بعد شهرين من العمل تقريباً..
استمريت الشهر الثالث فإذا بهم يرسلون لي كشف حسابي وقد تم احتساب المادة او القطعة من 10 دولار فقط.. لم يكن لديّ خيار آخر، وواصلتُ العمل، وفي آخر يوليو 2001 ارسلوا لي انه سيتم احتساب المادة بخمسة دولار فقط، فقلت انها طردة بطريقة مؤدبة وارسلتُ رسالة للعمير ان هذا احتقار للمهنة ولليمنيين ولااقبل العمل بهذا المبلغ.. لم يرد عليّ..
تذكرتُ ان هاشم عبده هاشم رئيس تحرير صحيفة عكاظ السعودية عندما تعرفت عليه عام 2001 كان قد عرض عليّ العمل في عكاظ وانه ممكن يعطيني اكثر من الوحدة آنذاك، توكلتُ على الله واتجهت إلى السعودية، وصلت إلى مكة وأديت العمرة ثم اتصلت بالاستاذ جمال خاشقجي رحمه الله وكنت قد تعرفت عليه في دبي عام 2001 واعطاني رقمه للتواصل اذا زرت المملكة..
قلت له اني في مكة وأريد ان اراه، فقال انه في الرياض وسيصل بعد غد إلى جدة ونلتقي هناك، وفعلاً التقينا وطلبت منه مرافقتي للاستاذ هاشم عبده هاشم لانه كان عرض عليّ العمل معه العام الماضي وانا رفضت لأني كنت ملتزم بعقد في ابوظبي، لكن حصلت عليّ ظروف كذا وكذا والآن اريد ان اعمل في عكاظ..
قال اذا تبغى نصيحتي، روح لحالك لانه ممكن يشوفني ويحسبك عليّ.. ثم وضح قصده: هنا صرنا كل واحد يحسب الثاني على جهة سيادية او شخصية نافذة، فالافضل تروح تتوظف بنفسك طالما وهو قد وعدك، افضل من لما يقعد خايف منك لاني زرعتك عنده او هكذا سيظن..
توكلت على الله وذهبت للاستاذ هاشم عبده هاشم وهو من محافظة جيزان ويشعر كثيراً بالنقص بين اقرانه الصحفيين او المسئولين الكبار في مجلس الشورى لانه اصبح منذ فترة عضو مجلس الشورى..
سبب شعوره بالنقص لان السعوديين ينظرون لأبناء جيزان بنوع من الدونية ويسمونهم 07 تبعاً لفتح الخط المحلي..
هذه الحالة التي يمر بها ويواجهها بصورة يومية ويحس بها في عيون الزملاء والموظفين جعلته يتحدث معي بنوع من العنجهية والكبر لاسيما بعدما عرف قصتي واني ممنوع من دخول الإمارات..
بدأ يتساءل عن أسباب منعي من دخول الامارات ويروح ويجي بطريقة تهكمية، فقطعت عليه الخط وقد اختنقت من انتفاخته الكذابة عكس ماكان عليه في دبي حينما قال لي نحن احق بك طالما وانت تربيت عندنا بعد معرفته اني نشأت في الطائف.. قلت له إذا فيه امكانية للتوظيف والعمل لديكم بدون إحراج فأهلا وسهلا واذا كان عليك احراج فبلاها، قال لالا مافي اي احراج، ممكن تشتغل معنا، بس عندنا شرط اساسي لبس الغترة والعقال، قلت له مافي مشكلة، انا متعود البسها من الإمارات..
استند على المكتب وقال ممتاز يعجبني حماس الشباب، بنوقع معك عقد بمبلغ 1500 ريال شهرياً، قلت له هذا مرتب صحفي والا عامل بوفية، ابتسم ابتسامة خفيفة وقال لا والله عندنا هنا الاجانب كلهم كذا يستلمون، مافي حد احسن من حد..
قلت له انا يمني مش اجنبي، قال ماتفرق، اي واحد غير سعودي يعتبر اجنبي بالنسبة لنا، وكان يتحدث وهو يحرك الكرسي الدوار بعد ان استند عليه بطريقة استفزازية جعلتني اتركه بطريقة غير مؤدبة حيث قمت وقلت له كنت اعتقد ان الوسط الصحفي يعلم الأخلاق والقيم الرفيعة، انا جاي اشتغل صحفي مش عامل بوفية او مطبخ.. استأذنك يااستاذ.. وتركته ومشيت وانا مقهور ليش جيت لعنده..
اتصلتُ بخاشقجي رحمه الله وانا فوق التاكسي وكنت اتميز من الغيظ وقلت له هذا الرجل لايقدر الناس.. ضحك رحمه الله وكأنه كان يعرف مالذي سيجري وقال تعال نتغدى وبعدين نشوف كيف نعمل..
ذهبنا لمكان لااعرفه وانضم إلينا او وجدنا هناك صحفي اسمه احمد المهندس عرفني بنفسه انه عاشق اليمن والفن اليمني، وقال انه صديق شخصي للكثير من الفنانين وذكر بعض الأسماء واحتفى كثيرا بابو علي انه من اعز اصدقائه، وانا مش عارف انه يقصد المرشدي رحمه الله..
ذكر خاشقجي للمهندس ماجرى في مكتب هاشم عبده هاشم فما كان من الأخير إلا التهكم وقال ان هاشم يشعر بالانتقاص الكبير منه لانهم يسمونه 07، وقال انه يشعر بنقص يبغى يكمله عن طريق السخرية مني..
بعد الغداء ذهبنا ثلاثتنا إلى فهد عقران الذي كان آنذاك رئيس تحرير المدينة، ووجدنا هناك عبدالعزيز القاسم وكان مشرف على الملحق الديني تقريباً، رحب بنا عقران وقال ان هناك فائض لديهم في الصحفيين وان وزارة الاعلام تطالبه بالاستغناء عن بعضهم..
أخيراً ذهبتُ إلى جريدة الندوة ومجلة الدعوة التي كانت قريبة منها وكنت قاب قوسين او أدنى من العمل بها بعد ان رأوا حواراتي مع كثير من الشخصيات الدينية، لكن احدهم صاح فجأة لحظة لحظة، وكأنّ حية لدغته، ايش هذا، إنت تشتغل في إيلاف العمير، قلت له نعم، فتغيرت البوصلة 180 درجة واعتذروا عن قبولي بينهم، وكنت أجهل توجه عثمان العمير وصدامه مع المؤسسة الدينية بالمملكة..
قدمتُ السي في الخاص بي في اكثر من صحيفة لكن لم يُكتب لي النجاح او الرزق في السعودية..
قررتُ العودة لليمن والتفكير في مشروع شخصي إلى ان يفرجها الله، وكنت لا أزال أحمل امل كبير بالعودة لصحيفة الخليج..
ذهبتُ لأسحب اموالي من حسابي الخاص في بنك دبي الإسلامي عبر الصراف الآلي للبنك الأهلي فإذا به يحسب الريال السعودي كالدرهم الاماراتي، وهناك فرق 4 ريال في كل 100 درهم، والمبلغ كبير..
حسبت المبلغ الذي أريد سحبه فطلع ان هناك مبلغ كبير سيضيع مابين فارق العملتين، انتظرت لليوم التالي وذهبتُ للبنك فكان نفس الشيء، قررتُ سحب ااجزء الاكبر من المبلغ والابقاء على الجزء الأقل كي يُستثمر وفق الشريعة الإسلامية حتى اعود للامارات، وحتى اليوم لم اجد عنه أي إجابة او معلومة بالمبلغ المتبقي في حسابي، وكلما راسلتهم طلبوا حضوري الشخصي للبنك هناك كي يعطوني أي معلومات عنه..!!
عدتُ لليمن وفكرتُ في كيف أبدأ أولاً بتأمين دخل ثابت لي ولأسرتي الكبيرة، والصحافة في اليمن لاتؤكل عيش لذلك لم افكر فيها من اول يوم..
انتشرت تلك الأيام محلات الانترنت والاتصالات فقررت عمل محل انترنت وفعلاً اشتريت محل صغير في موقع تجاري ممتاز بجوار ثانوية عبدالناصر ونادي الوحدة وقريب من مدرسة سيف والكويت، اسميته (رياض نت)..
المبلغ الذي معي لم يكفِ لشراء الأجهزة لأن جزء كبير منه ذهب لشراء المحل نقل قدم، وعمل الديكور اللازم فذهبتُ إلى شارع صخر وتحدثتُ مع اكثر من محل اني اريد 13 جهاز لكني لااملك كامل المبلغ، كانت هناك عروض كثيرة بمبالغ زيادة، أعجبني عرض واحد عراقي اسمه سعد وكان شاطر بطريقة العرض والإقناع فأخذت منه الاجهزة بالتقسيط لمدة سنة..
فتحت المحل وكنت اداوم فيه لحالي من الساعة الثامنة صباحا وحتى الـ11 مساءً، وكنت اتذكر كلمة والدي رحمه الله حينما كان يعلمني فنون التجارة (غلبونا بالفلوس وغلبناهم بالجلوس) وفعلاً طبقتها وفتح الله عليّ وكان الشغل ممتاز، سددتُ نصف مبلغ الاجهزة في مدة بسيطة، وفجأة جاء اليّ العراقي وقال انه باع المحل وتخلص من البضاعة وسيعود إلى بغداد خلال 3 أيام ولابد من تدبير بقية فلوسه..!!
طبيعتي منذ زمن وحتى اليوم ألا أجعل احد يطالبني بشيء له ولو هناك تفاصيل مختلفة، وأن مايمكن سده بالمال فلا تفاصل فيه، كما اني أكره الدين كثيراً، وإزاء هذا المطب الذي وضعني فيه العراقي لم أفكر كثيراً وعرضت ساعة الرولكس للبيع وكانت قديمة وثمينة لكن المستعجل يبيع حاجته بنصف الثمن فبعتها بـ600 دولار، ولازلت أحن عليها إلى اليوم والله، ولو وجدتها هي نفسها لاشتريتها بأضعاف ثمنها لأنها كانت غالية جداً على قلبي، إضافة إلى انها كانت جميلة وراقية..