الفترة التي أمضيتها في الخليج كانت بسيطة جداً، ثلاثة اشهر ونصف فقط، لكني كنت إلى هذه اللخظة اشعر انها كانت سنوات طويلة، لأني بنيت فيها علاقات كثيرة مع حاكم الفجيرة ونائبه وولي عهده وقيادات الدولة في المكاتب المحلية هناك، لانهم كانوا يرحبون كثيراً بالخليج، عكس صحيفة الاتحاد التي كان مكتبها في الفجيرة يضم عدد كبير من الصحفيين والمصورين ومع ذلك كنا نتفوق عليهم كثيرا إلى حد ان مدراء المكاتب والعلاقات العامة يخبئون الاخبار او المعلومات الهامة إلى ان امر لهم أنا، كانوا يحبون النشر في الخليج لانها الاوسع انتشاراً، ولان الحكام والمواطنين على حد سواء في الامارات الشمالية التي تشمل عجمان وام القيوين وراس الخيمة والفجيرة، كانوا يفضلون الخليج على الاتحاد التابعة لحكومة ابوظبي، والبيان التابعة لحكومة دبي..
تعلمتُ في مدرسة الخليج مالم اتعلمه في غيرها، حيث كانت لها سياسة صارمة في التحرير والصياغة، ثم المتابعة والتقييم اليومي، وكنا نتلقى يومياً تقرير مفصل عن الاجتماع اليومي لهيئة التحرير وفيه يقررون المانشيت الاقوى بين الثلاث الصحف الكبرى، والخبر الابرز، والانفراد والصورة، واجمل تحقيق وأقوى تقرير وهكذا يومياً، وكان غالبية الايام لصالح الخليج لاسيما في تغطية اخبار الدار الخاصة بالمحليات، وكانت هناك محفزات مالية وشهادات شكر وجوائز للمتميزين..
حياتي كلها بالامارات وأصدقكم القول اني متفاجئ جداً اليوم، إذ لم أحس بمدتها القصيرة جداً إلا اليوم، لأنها مرت عليّ كعمر طويل، فيها خليط عجيب من كل شيء، معاناة ومتعة وتعلم وعلاقات وحسابات وفلوس وفحس وخصام ووئام وسياحة ومعرفة وأشياء كثيرة لايمكن حصرها، رغم انها بدأت يوم 7 يوليو 2000، وانتهت يوم 13 مارس 2002، يعني سنة وثمانية أشهر فقط..!!!
كنت مسئول الخليج عن مكتب المنطقة الشرقية التي تشمل إمارة الفجيرة والمنطقة الشرقية التابعة لإمارة الشارقة وهي مناطق مفصولة عنها تماماً ولاتصل إليها إلا عن طريق الفجيرة مثل منطقة كلباء الجميلة وخورفكان الاجمل، ودبا الحصن ووادي الحلو، وكل منطقة من هذه المناطق مفصولة عن الأخرى لكنها تابعة ادارياً وتدين بالولاء للشارقة وحاكمها، بل الأعجب من ذلك ان هناك منطقة في الطريق مابين الفجيرة إلى خورفكان تسمى ولاية مدحاء مساحتها لاتتعدى 70 كيلو متر مربع تابعة لسلطنة عمان، وفي قلبها قريتين تابعتين للامارات، شيص والنحوة، خلطبيطة مركبة..!!
بمجرد دخولها او المرور بمحاذاتها وانت بالسيارة ماشي باتجاه خورفكان، يتغير الهواء ويظهر الطراز المعماري بحصونه العمانية وعلم السلطنة وحتى شبكة الهاتف الجوال تتغير وتأتيك رسائل ترحيب بزيارتك لسلطنة عمان، وكل تلك المناطق تقسيمات جغرافية متداخلة، مرسومة بدقة من قبل المستعمر البريطاني كأفخاخ او قنابل قابلة للانفجار في اي وقت بين تلك الامارات فيما بينها، او مع عمان..
وبعد خورفكان التابع للشارقة هناك لغم كبير عبارة عن قرى صغيرة في رأس الجغرافيا الإماراتية اسمها دبا، وهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام، دبا الفجيرة تابع للفجيرة، ودبا الحصن التابعة للشارقة، ودبا البيعة التابعة لعمان، وهذا الجزء الاخير من دبا هو المطل على مضيق هرمز الاستراتيجي.. وكل هذه المناطق (الاماراتية) تابعة لي ومن اختصاصات وظيفتي..
كنت ازورها بصورة شبه يومية لتفقد احوالهم والكتابة عنهم وعمل التحقيقات والاستطلاعات الخاصة إجبارياً، لانهم يعتبرون التذكير بهم في الصحافة نوع من ممارسة السيادة، وتحظى تلك المجتمعات على صغرها وتباعدها بالكثير من الاهتمام من قبل حاكم الشارقة الذي كان يزورهم بصفة دورية ويجلس في مجالسهم ويغدق عليهم..
كان هناك لغط كبير وعلامات استفهام كثيرة رسمها بعض المعلقين حول لبسي للعقال في الصورة المنشورة أول هذه السلسلة، ووعدت ان اوضح الامر في حينه، وللتوضيح فإن الامارات كانت وأعتقد لازالت تشكو من اختلال كبير في التركيبة السكانية، لكنها تلك الايام كانت هذا القضية تشكل هاجساً لأصحاب القرار، وتم إثارتها بشكل غير عادي ومناقشتها في المجلس الوطني، وكان هناك توجه كبير لتوطين الوظائف كنظام السعودة في المملكة، وكحيلة من اصحاب الصحف كانوا يطلبون من الصحفيين العرب عند اللقاءات الرسمية والحوارات لبس الزي الوطني الاماراتي لإيهام المتابعين بأننا مواطنين، وانهم يعملون في توطين الوظائف، ولهذا كنت البس العقال عادة في المشاركات الرسمية او إجراء الحوارات الخاصة للخليج، اما الوحدة فكنت البس الغترة بدون عقال ومشي الحال..
بعد الشهر الثالث من الاستقرار النفسي والمالي بدأتُ أفكر في إدخال زوجتي وولدي البكر رياض الذي لم اره ولم احتضنه إلى هذه اللحظة، فقد كان مولده في يناير 2001 وانا في صحيفة الوحدة، وعملت له سابع حناني طناني كما يقال في الصحيفة آنذاك..
طبعاً لايمكن التفكير آنذاك بجلب الوالدة رحمها الله للعيش في الإمارات لأن اخواني كلهم كانوا صغار ولايمكن ان تتركهم، ومن الصعب حملهم جميعاً للإمارات فكانت الخطة ان تأتي الوالدة زيارة لفترة محدودة ثم تعود، وهذا ماأخبرتها به في الرسالة التي ارسلتها لها آنذاك..
تحدثتُ مع الحاج عباس الاحمدي حول موضوع استقدام الأسرة وهذا لايمكن إلا بنقل الكفالة من صحيفة الوحدة إلى الخليج، وفعلاً تم بدء المعاملة، لكن القانون الاماراتي يجبر أي طالب إقامة جديدة ان يخرج من الدولة ثم يعود عبر احد المنافذ الجوية، وهذا ماعملته في المرة السابقة حين اخذت إقامة الوحدة، حيث خرجت إلى عمان وجلست ساعتين في المطار ثم رجعت في الطيارة الأخرى..
هذه المرة استأذنت إدارة الصحيفة بدلاً من الخروج الصوري لعمان او قطر او جزيرة كيش الايرانية؛ بأن أخرج لليمن لمدة اسبوعين، أسلم على الوالدة والاخوان وارتب امور جوازات الزوجة ورياض ثم أعود.. وهنا كان المطب الذي أعادني إلى مربع التعب والجري في الشوارع
غدا سنتحدث عن العودة الى صنعاء والعودة إلى دائرة التعب من جديد فإلى الملتقى.. كونوا بخير