ودعتُ الشيخ لقمان وروحت البيت وانا افكر كيف اعمل في موضوع ختم الحرمان الذي اقضّ مضجعي وأقلق منامي لانه سيحرمني العمل في الخليج، وربما الترحيل الفوري كما حدث مع الاستاذ محمد القدوسي..
كنتُ قد اننقلتُ من العزبة عند الشباب إلى سكن الصحيفة بالقرب من مقرها، وفي هذه الليلة تحديداً تذكرتُ كيف كنت ألجأ إلى الله قبل الفجر وهو يحلها لي، وكنتُ قد انقطعتُ من الخروج قبل الفجر منذ فترة طويلة، حيث كنت أكتفي بصلاة الوتر بعد العشاء حتى أقوم لصلاة الفجر..
كانت لديّ مشاعر مختلطة من الرغبة في الذهاب للمسجد لطرح همي وغمي بين يدي الله كما كنت أفعل، وكنتُ خجلان من الله كيف اني عندما تضيق عليّ الدنيا فقط أفزع إليه وأناجيه، وعندما تنفرج لا أعمل هذا، وبينما انا اعارك نفسي جاء الفرج الفاصل لهذا العتاب، وهو حديث حنظلة بن الربيع الأسيدي، احد كتاب الوحي؛ الذي قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال: كيف أنت ياحنظلة؟ قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله ماذا تقول؟! قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يُذكرنا بالجنة والنار كأنها رأي عين، فإذا خرجنا من عنده عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرا..
فقال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: نافق حنظلة يارسول الله! فقال رسول الله: وما ذاك؟
قلت: يا رسول الله، نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي العين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لو تدومون على ماتكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، لكن ياحنظلة ساعة وساعة، وكررها ثلاث مرات..
بعد تذكري لهذا الحديث قررتُ الخروج لجامع الحضارم قبل الفجر، وذهبتُ أشكو ماجرى وأسأله اللطف فيما سيأتي..
ذهبتُ اليوم التالي الثلاثاء للعمل فوجدتُ تنبيه لي في الرسبشن ان اذهب للمدير الإداري سهيل.. صعدت لمكتبه وهو إماراتي الاصل ومن انبل الشخصيات التي عرفتها، كان ممتعضا لما حدث لانه كان حاضراً، وأبدى اسفه انه لم يستطع إثناء زايد عن قراره، وانا اقول في نفسي الحمد لله انك لم تستطع ان تثنيه، ثم سلمني خطاب الاستغناء وفيه انه لابد من الدوام شهر بعد قرار الفصل طبقاً للقانون..!!
قلتُ له لن أداوم سأجلس في البيت، فقال اني لن استلم مستحقاتي كاملة وكان متبقي لي عندهم شهرين غير شهر السنة والشهر القانوني، يعني 4 أشهر..
قلت له وبالنسبة للاقامة قال بنكنسلها.. وختم الحرمان، قال لازم نعمله، زايد مصمم عليه..
أحسستُ بقهر شديد ولهيب في صدري كيف ان شخص نكره يتصرف ويرسم حياة ومصير آخرين تبعاً لجنسيته فقط، وكان غضبي أيضاً حنقاً على أني يمني، من بلد فقير، ولذلك يهددني بإنهاء مستقبلي..
استأذنتُ سهيل وذهبت لمكتبي، اتصلتُ بالسفير ضيف الله شميلة وطلبت ان ألقاه فقال تفضل، ذهبت اليه وشرحتُ له ماجرى بالتفصيل الممل، مع مخاوفي من ختم الحرمان..
قال السفير شميلة بحنكة وهيبة رجل الدولة: صلي عالنبي، احنا الآن نركز على ان إبن الشيخ راشد أخطأ بحقك وتجاوز في كلامه، وذكر والدتك وقال كلام مايحق له يقوله..
اما ختم الحرمان وطردك من الدولة، مانتاش بنغالي ولاهندي اداك على كفالته.. مش على كيفه، إذا أنت مُخطي يتخذ ضدك أي إجراء ولا يتعداه، ماهو، أو الدنيا فوضى، والله لو اوصلها للشيخ زايد..
اتصل بوالده الشيخ راشد بن عويضه وهو من الشخصيات المعدودة في الامارات من حيث الثراء والوجاهة، فهو الرفيق الشخصي للشيخ زايد بن سلطان ال نهيان، وتولى العديد من المناصب الرسمية الرفيعة، اهمها انه كان النائب الاول لرئيس المجلس الوطني الاتحادي لمدة 25 سنة..
مباشرة قال له كيفك ياشيخ راشد، أنا ضيفك اليوم.. واتفقا على اللقاء والغداء، وفعلاً ذهبنا إليه في قصره الفخم، وحكى له ماحدث، وان هذا لايرضيه وليس من شيم الكبار، فاتصل الوالد بولده وجاء على وجه السرعة وعنّفه بطريقة أرضت السفير الذي تدخل كي ينهي الحديث الغاضب الموجه من الاب لابنه، وانا كنت مسرور من داخل قلبي ..
تغدينا ووعد الأب السفير انه سيعيدني للعمل، ولن يتخذ ضدي أي إجراءات أخرى، وهنا تدخلت وقلت اني لن استطيع الاستمرار في مكان أهنت فيه، لكني كما قدمت على الوظيفة من داخل الدولة، اتركوني هنا ولايعمل لي ختم حرمان..
قال الاب لك ماتريد، ولاحد بيعترضك، فاستأذنا بعد الغداء بسرعة لأن السفير كان مسافر وطائرته في المساء..
طلعت بجوار السفير في سيارته الخاصة والشيخ زايد ينظر إليّ بقهر أحسسته في عيونه..
أوصلني إلى الصحيفة، وطلعت المكتب أداوم عادي، وحكيت ماحصل للشيخ لقمان فقط وهو نقله للشيخ موسى بطريقته، ولم أشعر بأي شيء يومي الثلاثاء والأربعاء رغم مجيئ زايد للمكتب..
وانا في هذا الشهر غير مطلوب مني أي مواد، ولو كتبتُ أي شيء لايُنشر لكنه نوع من التعنت ان احضر واداوم 8 ساعات دون عمل ثم أنصرف يومياً..
يوم الخميس ضربتُ كرت الدوام بدري، وهو كرت حضور وانصراف مرتبط بالحسابات، تضربه بجوار مدخل المبنى مباشرة..
ضربتُ حضور وغادرتُ إلى دبي ومنها للشارقة، وصلت الساعة التاسعة الخليج ودخلت للاستاذ عباس لتوقيع العقد..!!
وبعد التعارف قال لي كم تتوقع تستلم، قلت له انتم كرماء وانا استاهل، فقال من حيث تستاهل فأكيد تستاهل وإلا لما كنتَ أمامي الآن، وهنا قلتُ له من اعطاكم رقمي وكيف عرفتم اني ارغب في العمل بالخليج وانا ماقدمت، فقال انه اتصل بالوحدة واخذ رقم موبايلي من التحويلة بعدما تم تكليفه بالتفاوض معي حول النقل من الوحدة للخليج، ثم حكى لي قصة مركز الابحاث والدراسات الذي يختار موظفي الخليج، وقد كتبتها في الحلقة الماضية..
اعاد السؤال بطريقة أخرى وقال كم تستلم في الوحدة، قلتُ له انا مرتاح هناك بالنسبة للمبلغ لكن الجو كئيب وإنتاجك لايقرؤه إلا القليل ومتعة الصحفي في الانتشار.. كانت رسالة مني بأني استلم مبلغ كبير لكني لم اضع رقم معين..
بعدها مباشرة قال الحقيقة ان مرتباتنا ليست كبيرة وربما اقل مما تفكر فيه لكننا سنحقق لك الانتشار الذي تبحث عنه، وهنا ضحكت وقلتُ له الانتشار المجاني متاح جداً وممكن اكتب مقالات مجانية في الواشنطن بوست الاميركية والاندبندنت البريطانية، وضحك هو أيضا وقد شعر بالخجل وقال مرتباتنا تبدأ من تسعة الف درهم فقط، قد لاتتوقع ذلك لكن اول زيادة تنزل بعد اول ستة اشهر، وبعدها خاضع للتقييم المستمر من الدسك المحلي الذي تتبعه، ومركز الدراسات وانت شكلك ماشاءالله شاطر..
كنت من داخلي احتفل بالرقم، لكني مططت شفتيّ مفاصلاً بأن المبلغ قليل، فقال للاسف احنا ملتزمين بكادر وسستم معين في المرتبات لايمكن تجاوزه وانت خذ وقتك وفكر في الامر لسه معاك وقت..
قلت سأعمل بنصيحتك ووجهة نظرك، هات العقد لأوقعه، استغرب وقال اي نصيحة بالضبط، قلت: كلامك بأنني شاطر وممكن يرتفع مرتبي سريعا وضحكت..
وقعتُ العقد واتفقنا بعد ان خيّرني بين العمل في المركز الرئيسي بالشارقة، او بمكتب المنطقة الشرقية بالفجيرة، فاخترت الفجيرة على ان ابدأ العمل من يوم الاحد كي اعود لأبوظبي أجيب متعلقاتي..
خرجتُ من عند الحاج عباس الاحمدي وانا في قمة السعادة، وأول واحد ابلغته بتوقيع العقد كان الحاج علي رحمه الله..
ذهبت إلى نادي دبي للصحافة وامضيت وقتاً ممتعاً هناك، ثم انطلقت إلى الشيخ حسين سمين الاهدل الذي كان إمام وخطيب جامع القادري بحي السطوة في دبي، وهو من أطيب خلق الله تواضعا وكرما وسعة صدر وحب للآخرين، كان بيته لايفرغ من المحبين والزوار واصحاب الحاجات، وقضيتُ عنده الخميس والجمعة وصباح السبت عدت ابوظبي..
غداً ان شاء الله سأنتقل للعمل السري، والرحلة الشاقة اليومية مابين الفجيرة وأبوظبي..