اعتقد ان غالبية مشاكل الانسان وتعقيدات حياته تكون ناتجة عن خطأ في اختياراته وتقديراته، وهذا بالضبط ماحصل للاستاذ القدوسي الذي أخطأ في استقدام تلك المجموعة من الزملاء الصحفيين من بيئات متنافسة، بل متنافرة حد الشطط، ولديها توجهات مختلفة كان يراهن على تذويبها بفعل الزمان والمكان المختلف، لكنه أخطأ التقدير، رغم ان فيهم قامات صحفية كبيرة مثل ياسر مشالي، وصبحي بحيري وعمار حامد ومحمود الجمل، إضافة إلى ان القدوسي استسلم لنزعة العاطفة وهي نزعة الضعف دائما في الانسان؛ وجلب بعض من تربطهم به قرابة أسرية او بعض الاصدقاء، الذين لم يكونوا في الوسط الصحفي أصلا كما كان يقول بعضهم عن البعض الآخر حينذاك، وكالدكتور كمال حبيب الذي يعد مفكرا وباحثا لاصحفيا، لكنه زوج شقيقته وله ظروفه الخاصة بعد خروجه من السجن، الامر الذي انعكس سلباً على تماسكهم ككتلة تعمل بروح الفريق الواحد لتنفيذ خطة العمل، التي يناضل القدوسي لتنفيذها، وتحقيقها كهدف يسعى إليه..!!
كنتُ انا اليمني الوحيد في هيئة التحرير، اضافة إلى السوداني الجميل جلال بشرى الذي اصبح اليوم رئيس التحرير في الوحدة، والاردني المشاغب عبدالله خازر، والعم ابو شهد المجالي، والعراقي الرياضي علي شدخان الجميلي، إضافة إلى الشيخين الفاضلين، اللبناني لقمان الأيوبي، والسوري موسى حمد، عشنا سنة كاملة في جو مكهرب، ومشاكل مستمرة بين الاخوة الأعداء، وبدأ العد التنازلي لهم مبكراً، إذ ان اول دفعة غادرت الامارات بسبب تلك المشاكل كان بعد ستة اشهر فقط من وصولها، وبدأ البقية في التسرب للصحف الأخرى او العودة لمصر خصوصا بعد إنهاء خدمات الاستاذ القدوسي وإبعاده الفوري من الدولة بتوجيهات وزير الاعلام انذاك عبدالله بن زايد بعد ايام قليلة من تفجير برجي التجارة العالمي 11 سبتمبر 2001 بسبب مذكرة احتجاج رفعتها السفيرة الامريكية على مانشيت صحيفة الوحدة يوم 12سبتمبر "امريكا تحترق"، اضافة إلى الاعدادالثلاثة بعدها، والتى كتب فيها القدوسي مقالات نارية على طريقة كتابته في جريدة الشعب المصرية، فتم ترحيله مباشرة..
عندما كثرت المشاكل وأصبحت تهدد الصحيفة بالتوقف بعد رحيل القدوسي الذي كان يتصدى للجميع ويعالج الاختلالات بطريقته دون ان تصل إلى المسئول عنها وهو نجل مالك الصحيفة زايد بن راشد، حدد هذا الأخير موعدا لاجتماع هيئة التحرير يوم الاثنين 26 نوفمبر2001 لمناقشة مشاكل التحرير وإعادة ترتيب المناصب والتكليفات في الصحيفة..
بدأ الاجتماع مبكراً، وانا تأخرتُ بسبب اني وصلت الصحيفة متأخر ودخلت اصلي كي لاتفوتني الصلاة وانا في الاجتماع، وبعد الصلاة ذهبت لقاعة الاجتماع، فتحت الباب ودخلت مباشرة وجلست على اقرب كرسي، وكنت اسمع كمال حبيب يقول ان هؤلاء كفار بنص الحديث النبوي، والجو كان متوتر وزايد بن عويضة رئيس الاجتماع، وكان فيه عنجهية وكبر ربما لصغر سنه آنذاك..
التفت إليّ وقال انت داخل مال الوالدة، ومال بالاماراتي تعني حقي، يُقال هذا مالي وهذا مالك، يعني هذا حقي وهذا حقك..
صعقني بنظراته وتلويحه بيده وذكر والدتي، فقلت له امي ومال امي في اليمن، وهذا هنا مال امك انت.. رفع صوته فرفعت صوتي ووجه مباشرة بتفنيشي من العمل والابلاغ عليّ وعمل ختم الحرمان على جوازي، وأرعد وازبد كثيراً لانه غير متعود ان يسمع ردا من أحد..
حاول الشيخ لقمان وبعض الحاضرين تهدئة الموقف وامتصاص غضبه لكنه كان كالثور الهائج وانا كنت ارد عليه بأن الرزق بيد الله مش بيده وان اليمنيين لايمكن يسكتوا وانه كذاب ان اصله يمني لأن اليمنيين لايغلطوا على أحد، وكان صوتي ارفع منه وانه ليس بيده غير التفنيش اي الاستغناء عن خدماتي، نحن جينا نشتغل بكرامتنا مش عبيد عندكم..
بعدها قمت وخرجت على طول من الاجتماع والصحيفة والمبنى كاملاً وقطعتُ الشارع للجهة الاخرى، وجلستُ اراجع مادار بيننا، وهل ماعملته صحيحاً ام لا..؟!
كنتُ كلما استغلطتُ نفسي وقلت ان ردي كان متهورا والمفروض ان امتص غضبه؛ أتذكر انه ذكر أمي فأشتاط غضباً واقول يستاهل اكثر والرزاق هو الله، وتذكرتُ مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من استغضب فلم يغضب فهو حمار، وكنت اسلي على نفسي بالقول الحمدلله انا مش حمار
بعد الاجتماع بحث عليّ الجميع كي يواسوني وبعضهم للتشفي لأنه تم طردي من العمل، فلم يجدوني.. اتصلوا بي فقلت لهم اني غادرت للبيت، إلا الشيخ لقمان الأيوبي قلت له عن مكاني وكنت أنتظره كي أعرف ماتم في الاجتماع بعد خروجي منه، ولأني كنت بحاجة لمن أتحدث معه وأفضفض له، ولن اجد افضل منه فقد كان يتعامل معي كأنه أخي الكبير.. جاءني وتمشينا في الجزيرة الوسطى للشارع وكانت كبيرة وبها نخل قصير لكنه يحمل بلح.. قال ان زايد بن عويضة غادر الاجتماع بعدي مباشرة وهو هائج، بعد ان وجه المدير الاداري سهيل الفلاسي بإنهاء خدماتي وعمل ختم الحرمان من دخول الامارات على جوازي، وهو نظام موجود يُتيح للمواطنين الاماراتيين حرمان أي شخص لايستسيغونه من دخول الامارات نهائيا، وذلك بعمل ختم الحرمان على جوازه..!!
وفيما نحن نتكلم ونمشي؛ رن تلفوني من 04 أي من الشارقة، جاوبته فإذا بشخص عرفته من لهجته انه سوداني، سأل عني ثم قال انا عباس الأحمدي مدير العلاقات في صحيفة الخليج، ثم سألني هل تريد العمل في الخليج.. قلتُ له ومن الذي لايريد العمل في الخليج، قال وكيف بتعمل في عملك السابق، قلت له سأتصرف.. متى تريدوني، قال أي وقت بتحب، عقدك جاهز، تعال وقعه واستلم العمل، وعدته بزيارته الخميس 29 نوفمبر، فقال اتفقنا وسيبدأ دوامك من يوم الخميس..
ياالله مااكرمك.. كدتُ أطير من الفرح، وكان كذلك الشيخ لقمان الذي قال شو يعني، شو هذا الترتيب الرباني، قفل الوحدة عشان يفتح لك الخليج بنفس اليوم، ياسبحان الله.. ثم ضحك وقال وانا الي كنت زعلان عشانك.. بدنا عزومة على هالخبرية، قالها بلهجته اللبنانية الجميلة وضحك.. واتفقنا على ان يكتم هذا الخبر حتى على الشيخ موسى (صديقه الانتيم كما يقال)، إلى ان أستلم كل متعلقاتي منهم..
طبعاً صحيفة الخليج لاتقبل أي تقديم للتوظيف لديها، وكل موظفيها يتم اختيارهم عن طريق مركز الدراسات والبحوث الخاص فيها والذي كان يرأسه آنذاك الدكتور عبدالخالق عبدالله مستشار محمد بن زايد حالياً، وكانت آليتهم في اختيار الصحفيين تتم بمتابعة بعض الأسماء الصحفية لمدة كبيرة قد تتجاوز 6 أشهر، وبعد تقييمه جيداً، يتم الاتصال به وإغرائه بالعمل في الخليج، والاغراء هنا معنوي وليس مادي إذ ان المرتبات في صحيفة الاتحاد كانت هي الأعلى بكثير، لكن الصحفي فيها لايُنظر إليه ككفاءة، كما هم صحفيوا الخليج الذين يمكن ان يتوظفوا بسهولة في اي صحيفة خليجية او عربية أخرى ويكفي انه سبق له العمل في الخليج..
طالت الحلقة كثيراً، واستميحكم بتأجيل تداعيات الملاسنة التي حصلت بيني وبين زايد بن عويضة وكيف عالجتها مع السفير اليمني، غدا ان شاء الله.