اعتذر الزول عدلي عن كتابة الرسالة الخاصة بنادي دبي للصحافة، لانه مشغول ببعض الملفات، وقال ارجع لي آخر الدوام، قلت له حاضر وعدت إلى مكتبي، فيما ذهب هو للقدوسي ليستأذنه في عمل الرسالة رغم انها روتينية إلا ان طلبها في أول يوم كان بالنسبة لهم غريب وربما مريب، لاسيما وكانت هناك عملية استقطابات كثيرة للصحفيين الشباب العاملين في الصحف الصغيرة؛ للعمل في الصحف الكبرى كالاتحاد والبيان والخليج وصحيفة رابعة انضمت آنذاك وهي اخبار العرب، وكان هناك خوف دائم من الاستاذ القدوسي على كل الزملاء من ان يقدموا او يذهبوا لتلك الصحف التي كانت بالطبع تدفع مرتبات أعلى بكثير من الوحدة..
عدتُ آخر الدوام للسوداني الجميل عدلي فقال ان الأستاذ القدوسي ماموافق على الرسالة، وقال انه عملها والقدوسي رفض ان يوقعها..!
بدأت أصدق شكوكي في ان القدوسي يتربص بي، وانه ناوي يستغني عني لأنه يريد ان يكون الطاقم كله مصري ولايريد غيرهم، وبدأت أفكر في كيفية البحث عن سند آخر في مواجهته، وفعلاً ذهبتُ للدكتور عبدالمقالح رعاه الله وهو صاحب نظرية (محمد طايع امه) التي كان يقولها لكل من سأله عني، او حتى عند اتصاله بي او العكس، فكان يرد على اتصالاتي اهلا بطايع امه..
ذهبتُ إليه مهموماً مغموماً من تلك المعاملة، وكان هو الملحق الثقافي بالسفارة اليمنية في ابوظبي، وعلى الفور اخذ الهاتف واتصل بالشيخ زايد بن عويضة وتعرف عليه ومدح فيه وفي والده وانه معجب بمسيرتهم الطيبة وتاريخهم النضالي في مسيرة الاتحاد؛ التي سمعها من موظف عندهم اسمه محمد الخامري، ثم اتفق معه على زيارة رسمية للصحيفة على ان أكلف انا بالتنسيق لها لاحقاً..
كان لذلك الاتصال وقعه الكبير على الشيخ زايد الذي كان لايزيد عمره آنذاك عن 25 سنة تقريباً واستدعاني إلى مكتبه ليسألني عن السفارة واعضاء السلك الدبلوماسي فيها، وطلب ان ارتب لهم زيارات للجريدة خصوصا السفير والملحق الثقافي، وكان حينها السفير ضيف الله شميلة رعاه الله الذي له قصة عظيمة سأذكرها غداً في دعمي والوقوف إلى جانبي كمواطن يمني تعرض لظلم؛ ببطولة دبلوماسية نادرة، لايمكن بل من سابع المستحيلات ان تحدث هذه الأيام من أي سفير يمني..
بعد مرور الشهر الأول لي في الوظيفة؛ ذهبتُ للأستاذ القدوسي وقلت له ان معي حوار مع الاستاذ عبدالباري عطوان في دبي وقد نسقت معه على إجراء الحوار في نادي دبي للصحافة، ولابد ان احصل على عضوية النادي كي استطيع ان استضيفه هناك، وطلبت تحرير رسالة بذلك وصرف رسوم الانتساب..
وافق على الفور واتصل بعدلي يجهزها فوراً ويعطيها لي، وقال هات السند وحامضي لك عليه للحسابات..
ذهبتُ اليوم التالي وكان يوم خميس للنادي في دبي وسددتُ الرسوم وكانت معهم مشكلة فنية في تأخير اصدار البطاقات، لكن السند المالي والباسوورد الذي يسلم لك للدخول إلى شبكتهم وأحهزتهم الإلكترونية كافي لإثبات عضويتك..
بعد تسديد الرسوم واستلام السند وقبل ان اشرب اي مشروب أو افكر في تصفح الانترنت؛ اتصلتُ بالاخ حمود رحمه الله وكان مكتبه في ذات البرج الذي يقع فيه النادي، وكان هذا يوم الخميس 13 سبتمبر 2000 أي بعد شهرين فقط من وصولي الإمارات، وبعد السلام سألني أين انت وايش عملت، قلت له انا في نادي دبي للصحافة.. إطلع، خليني أعزمك وأعرفك على النادي عشان تكون تطلع ترتاح هنا بعضويتي.. ارتبك وتلعثم ثم قال تمام الآن باطلع لك..
رحمه الله واسكنه فسيح جناته، لم يطلع، بل اتصل بالاخ محمد عبدالباري يسأله عن أخباري، فقال له اني اشتغلت بعد اسبوعين من وصولي في صحيفة الوحدة بابوظبي، وكان آخر عهدي بصوته ذلك اليوم، وصورته يوم وصولي دبي..
أحسستُ بنزق الشباب تلك الأيام، اني انتصرتُ لذاتي، ورددتُ له الصاع صاعين، واستعدتُ كرامتي التي اهدرها امام اصحابه يومذاك بتهكمه عليّ، رحمه الله
بعد شهر تقريباً من وصولي الإمارات صرفتُ آخر درهم من المئة الدولار، خلاف المئتين التي لازالت عند الاخ ناصر إلى تلك اللحظة، فذهبتُ للحاج علي وقلتُ له اني محتاج لسلفة منه، قال ولايهمك، ومباشرة أخرج مبلغاً لااعرف كم هو ومد يده وهو قابض على المبلغ كما هي عادة من يمد لفقير او متسول، أي تكون اليد مقبوضة للأسفل، انزعجتُ جداً من هذه الحركة، وقلت له أنا آسف ياحاج كنت أظنك عرفتنا، ثم وقفت، قال اسمع ياابني وصلي عالنبي، مو تشتي..
قلت له المفروض تسألنا كم تشتي، وانا اقلك كذا، وانت تخرج الفلوس وتعدها، وتجيبها لي كذا.. وأشرت بيدي لافوق.. انا مش جايي اطلب صدقة..
فتح يده وقال انت وجع قلب وماحد يعرف يتجمل معك، ها.. هذي الف درهم ورجم بها فوق المكتب وهو زعلان..
لقطت الفلوس وانا اضحك واقول له عاد الزعل لك ياعم علي، انت متعود على العطاء لكن هناك من هو احق مني بعطائك والله يكتب اجرك.. ان شاء الله اول مااستلم باجيبها لك على طول..
طبعاً إلى هذه اللحظات لم اكن اعلم كم المرتب الذي سأستلمه، وكنت قد عملت لي متوسط، حيث ان غالبية الشباب في العزبة يستلمون 1500 درهم، والاوقاف مرتباتهم قرب منها، والقليل جدا من يستلم الفين درهم، فقلت سأعمل حسابي على 1500 درهم وأقسمها ثلاثة أقسام، 500 لي سكن واكل وشرب ومشاوير، و500 ارسلها لأمي، و500 اجمعها للعم محمد طاهر الذي سلفني الف دولار عند مغادرتي صنعاء..
بعد ثلاثة أشهر وانا أعيش على البراتا والشاهي إلا الجمعة اتغدى مع الشباب، جاء الفرج وطلب مني الزول عدلي ان اذهب للبنك افتح لي حساب واجيب له رقمه عشان يحولوا مرتبي عليه..
ذهبت مباشرة لبنك دبي الإسلامي وفتحت حساب توفير وأعطيت عدلي رقم الحساب وقال بعد بكرة بينزل فيه مرتبك للثلاثة الاشهر الماضية، كان أجمل خبر اسمعه منذ زمن..
سألته كم المرتب، قال ماعارف، اطلع الحسابات في الدور الثالث يخبروك او انتظر لبعد بكرة وبتعرف من البنك، قلت خليها للبنك، وكنت مهيأ نفسيا لاستلام أربعة الف وخمسمائة درهم، وكانت مُصرّفة جاهزة ولن تبقى معي الا الف درهم فقط ويعلم الله متى المرة الثانية التي سنستلم فيها المرتب الآخر..
كان الحاج علي يتوقع ان مرتبي الفين درهم على الأقل، وحصل مثل التحدي بيننا من الذي سيكون توقعه الأقرب..
ذهبتُ للبنك وأدخلتُ البطاقة فظهر رصيدي 12 الف درهم، كدتُ أطير من الفرح، ولاادري كيف مرت الطريق من البنك إلى معرض الحاج علي كي أبلغه بأنه لايعرف يخمن ابداً، وفي الحقيقة كنت افكر كيف اقول له الخبر كي أفرحه، لأني شعرتُ انه يفرح لفرحي كثيراً ويسعد بسعادتي..
وكنت قد سحبت الالف الدرهم التي استلفتها منه.. وصلت إليه وكان عنده ولده الكبير عبدالرحمن صاحب العقال
، طبعاً قد تصالحنا بعد ذلك الموقف وأصبحنا اكثر من اخوة، وكان هناك شخص ثالث لم أعد اذكره..
سلمتُ عليهم ثم قلت له كثّر الله خيرك ياعم علي، هذي حقك الفلوس، ومديتها له بظرف أخذته من البنك، قطب حاجبيه وقال بغضب: مراعي لك تفرحنا، وتقول لي كم حسبوا لك، مش عشان ترجِّع لي هذا المبلغ، قلت له طيب خذ حقك وانا بقلك..
قلت له اعطوني اربعة الف في الشهر، تهلل وجهه وابتسم ثم قال ماشاءالله على ولدي، أنا أؤكد لك واشهد ياعبدالرحمن انه مابتدور السنة الا وقد راتبه عشرة الف درهم، وصدق في توقعه، لكنها كانت بعد سنة وشهرين عندما انتقلتُ لصحيفة الخليج بمرتب تسعة الف درهم..
مشت الأمور بحلوها ومرها، وجاء الزملاء المصريين وبعد اقل من شهرين من وصولهم بدؤوا يخبطوا في بعض، وانقسموا إلى عدة فرق، وكل فريق يشي بالآخر، وكانت تحصل خناقات مستمرة فيما بينهم، وكان القاسم المشترك بينهم الاستاذ القدوسي الذي ماان يحل مشكلة حتى تأتي الثانية..
بعد سنة تقريباً من العراك والصراخ المستمر تطور الوضع حتى قام الدكتور كمال السعيد حبيب بتكفير بعض زملائه خصوصا صبحي بحيري وعمار حامد، رغم انهم كانوا يسكنون معه في نفس السكن ويصلون في البيت كما كانوا يقولون آنذاك في دفاعهم عن انفسهم، وهو مُصر على رأيه لانهم لايصلون معنا في المصلى الذي كان في دور الميزانين، وبدلاً من ذلك كانوا يخرجون لشرب الدخان خارج المبنى، فكفرهم بأعلى صوته وحصلت مشكلة كادت توقف إصدار الصحيفة..
غدا إن شاء الله سنتحدث عن اجتماع هيئة التحرير وفصلي انا من الصحيفة هههه