كانت لديّ رغبة متوحشة في الانتقام والثأر لكرامتي التي حاول المساس بها الاخ حمود سامحه الله، الذي كسر نفسي وتهكم عليّ، وقلل من إمكانياتي، وحجّم طموحي، بل واهان كرامتي واستهزأ بي، وكنت أقول لو قبلت العمل في المسجد فإني أعطيه مااراد، واحقق تهكمه، ولن استطيع ان أرد عليه لأني حققتُ مراده..!!
وهنا الانتقام المحمود وليس المذموم، لانه لايستهدف الاضرار بالآخر بقدرما يستهدف استعادة الحق في الحياة والانتصار للذات واستعادة الكرامة وتغليب عزة النفس وتوفيق الله جل وعلا فوق نوازع البشر وحساباتهم الضيقة..
لاأنكر ان هذه الرغبة وهذا الهدف كان من أولى وأهم الاهداف التي من اجلها غلبتُ العمل في الصحافة؛ ذات المرتب والمصير المجهول، لانه بيد شخص يمكن ان يغضب فيفصلك غداً، عن الإمامة في المسجد، الذي كان معلوم المرتب ومضمون السكن وإقامته أفضل لأنها حكومية..
يأتي بعد هذه الرغبة التي سيطرت عليّ؛ الشغف والهواية والمشاغبة آنذاك وإثبات الذات والطموح وغيرها من الأشياء التي لايمكن الحديث عنها فضلاً عن ممارستها في مسجد..
قررتُ الاستماع لصوت الكرامة المنتهكة، التي وافقها وعززها رأي الحاج علي رحمه الله وذهبتُ لوكيل الوزارة غريب القمزي رعاه الله وأخبرته عما حصل وأنني سأمارس مهنتي الصحفية فرحّب كثيراً وقال مازحاً لاتنسانا، ضروري تعمل معنا حوازات وتلمعنا نكون زي المشهورين..
طبعاً قالها مازحاً وليس جاداً لأني بعد ذلك ذهبتُ إليه لإجراء حوار فرفض واعتذر وقال انه لايعرف ان يتكلم ولايحب الظهور في الإعلام..
اتصلتُ بالزول عدلي واعطيته رقمي الموبايل وانتظرت بعدها أسبوع، لكنه لم يتصل.. ذهبتُ إليهم السبت الآخر، وجدت عدلي وأعطاني قرار التعيين موقع ومختوم، لكنه لم يشر إلى الجانب المادي لامن قريب ولامن بعيد..
دخلتُ للاستاذ القدوسي وكان في دوشة معاملات تأشيرات الزملاء المصرين الذي جاؤوا بعد ذلك بشهرين، وتحديدا في أكتوبر، وعددهم 14 صحفي لازالت تربطني صداقة مع غالبيتهم حتى اليوم..
كان الأستاذ القدوسي يرغب في تأخيري عن استلام العمل حتى يأتوا بقية الزملاء المصريين؛ الذين تأخر اثنين منهم إلى ديسمبر، محمود الجمل وكمال السعيد حبيب الذي كان متزوجاً بكريمة الاستاذ القدوسي، ودخل السجن ضمن المجموعة التي سُجنت بعد اغتيال الرئيس السادات ومكث فيه سنين طويلة؛ حضّر فيها الماجستير والدكتوراه، وكان له تأثير كبير على نفسيته وضيق نفسه بالآخرين..
شغلتُ القدوسي الذي بدأ فعلياً بإدارة الصحيفة، وكنتُ اذهب إليه يومياً وأطالبه أن أبدأ العمل، وكان يتحجج بعدة امور ويماطل كثيراً، وأخيرا بعدما يئس مني وانا المضطر جداً والمحتاج للعمل، وافق أن ابدأ العمل..
ولأن اول معرفتي به كانت تتحدث عن إمامة المسجد وحفظ القران، مباشرة قال روح للشيخ لقمان خالد الأيوبي وابدأ اشتغل معاه في الصفحة الدينية، وكانت صفحة يومية تنفرد بها صحيفة الوحدة عن الصحف الأخرى التي تعمل ملحق ديني يوم الجمعة، وتقدمتُ حينها بتجميع المواد اليومية وإصدار ملحق يوم الجمعة أسوة ببقية الصحف وهي الفكرة التي راقت للقدوسي لكنه أجلها لحين انطلاق الصحيفة بحلتها الجديدة رسمياً..
كان لدى القدوسي طموح كبير في التغيير وعمل صحيفة منافسة، لكنه اصطدم برغبة المالك بالوقوف عند حد معين وعدم المنافسة لأسباب وجيهة من وجهة نظره، وبالتالي فقد ألغيت الكثير من الخطط التي تقدم بها القدوسي، والملحق الديني من ضمنها، وانحصر التحديث على نوع ورقة الصفحة الأولى والاخيرة وإعادة الإخراج بطريقة فنية مختلفة عن السابقة..
لازلتُ اتذكر حادثة لم اجد لها تفسير حتى اليوم، وهي ان القدوسي جاء لي وانا في مكتبي وقال ان هناك شخص اسمه محمد حطب لديه مشروع اكبر مصحف في العالم، وطلب مني ان اعمل معه حوار، وعندما سألته عن مكانه قال هو بيصلي في المسجد الي في الناحية الثانية من الشارع، حاول تسأل عنه هناك..
خرجتُ وصليت العصر في المسجد الذي كان عبارة عن كرفان صغير مزدحم، بمراوح فقط بدون تكييف، وغالبية مرتاديه من الجنسيات الآسيوية، بحثتُ عن عربي بينهم فلم أجد، سألت امام المسجد وبعض المصلين عن الاسم فلم أجد اي اجابة او خيط يوصلني إليه..
خرجتُ من المسجد وحاولت ابحث بجواره عن محلات عرب كي أسألهم فلم أجد.. عدت إلى الصحيفة وانا اتصبب عرقاً وسألت محمد حزام موظف التحويلة رحمه الله عن محمد حطب فقال انه موظف في المبنى نفسه واتصل به وطلعني إلى مكتبه..
استغربتُ كثيراً من القدوسي، ولم أعرف سبب فعلته تلك حتى اليوم، ولم أسأله عنها وريحت دماغي..
عملتُ حوارا صحفياً مع محمد حطب حول مشروعه، وتفاجأ به القدوسي منشوراً، لكنه أيضاً لم يناقشني فيه..
سألني القدوسي: بتعرف تشتغل عالانترنت، أحسست انه يبحث لي عن مدخل للاستغناء عني بسبب العدد الكبير القادم من مصر، وربما اكون مخطئاً..
قلت له نعم، وانا تلك الايام لم اجلس على كمبيوتر، ولاأعرف كيف يفتحوه لكنه الخوف من ان يجد القدوسي أي حجة ليستغني عني وهذا ماشعرت به كما سبق، من خلال العديد من المواقف التي كنت أعالجها بشيء من الحكمة والتطنيش..
كان معنا هندي مسلم يعمل في البوفيه اسمه محمد بولونيه، سألته هل تعرف للكمبيوتر والانترنت قال بسيط جدا، قلت له كم تستلم انت، قال 700 درهم، قلت انا اعطي انت 300 درهم لما استلم المرتب بس تعال علمني، وجاء علمني كيف أشغل الكمبيوتر وكيف امسك الماوس واضغط دبل كليل على علامة الاكسبلور..
كنت اجلس بعد الدوام ساعة وساعتين كأني أبحث في الانترنت، وكان الاتفاق اني عندما أتوقف او أحنب اعطي لبولونيه إشارة فيجيب لي قلص ماء ويصلح الجهاز بصمت، وهكذا لمدة خمسة أيام فقط حتى تعلمت وأصبحت بارع في التعامل مع الكمبيوتر والبحث على الانترنت وتصفحه بشكل سلس، وهذا كان قبل جوجل الذي لم يكن قد اشتهر آنذاك، والذي اختصر 90 بالمئة من عملية البحث المضنية عن المواضيع التي كنت تبحث عنها لتكتب حولها مثلاً..
استلمتُ عملي في الصفحة الدينية التي كان يديرها الشيخ لقمان الايوبي وهو لبناني من نسل الأمير صلاح الدين الأيوبي، من انبل الرجال وأقربهم إلى قلبي، لديه اذاعة محلية اليوم في طرابلس بلبنان، وكانت أجمل الأيام رغم اني مكثت ثلاثة اشهر دون ان استلم مرتباً واحدا، ولااعرف كم مرتبي الشهري لانهم لم يعملوا لي عقد ولم أسأل عنه بعد استلام الإقامة..
من أول يوم داومتُ فيه ذهبت للزول عدلي في السكرتارية وطلبت منه رسالة لنادي دبي للصحافة كي احصل على عضويته، فقال ليش كذا مستعجل يازول، قلت له أكثر مما تتصور..
في الحلقة القادمة قصة نادي دبي، واول سلفة من الحاج علي رحمه الله، وأول راتب في الامارات.. إلى الملتقى