استغليتُ عقد جامعة صنعاء والسجل التجاري السابق ووثائق الوكالة وتقدمتُ للسفارة الاماراتية بصنعاء بطلب تأشيرة سياحية لمدة ثلاثة اشهر، وحصلت عليها في اقل من أسبوع، وبقيت لديّ عقبة المصاريف وقيمة التذاكر وبعض الديون البسيطة التي لابد ان اسددها قبل الرحيل لاني كنت اخطط لهجرة طويلة نوعا ما.. ???? ذهبت للعم محمد طاهر انعم Mohammed Taher Al Suleihi رئيس مجلس إدارة شركة تكنوهاوس وهو بالمناسبة صديق طفولة الوالد في عدن، ووالدي رحمه الله أسماني محمد على إسمه، فوضعتُ ساعتي الرولكس على مكتبه، وطلبت منه الف دولار سلف.. ضحك العم محمد شفاه الله وعافاه ومتعنا بصحته وقال خذ ساعتك، عيب تخلع ساعتك، وأعطاني المبلغ وكأنه ازاح من فوقي جبل.. خرجتُ من عنده مباشرة لليمنية أقطع التذكرة، ثم سددتُ ديوني البسيطة، وبقيت مئتين دولار، أرسلتُ واحدة لأمي والثانية أبقيتها معي مصروف لدبي هههه.. ???? تذكرتُ ان معي صديق يعمل في دبي منذ سنوات، نتفق على ان نسميه حمود لانه توفي رحمه الله واسكنه فسيح جناته، ولافائدة من ذكر اسمه الحقيقي.. كان حمود يعرفني انني صاحب وكالات تجارية ومكتب تخليص جمركي ومرتاح مادياً، وعندما عرّفته بنفسي بالتلفون رحب كثيراً وقال انه سينتظرني بالمطار، وطلب ان أؤكد له موعد السفر قبلها بيوم..!! قبل السفر بيوم واحد اتصلت به، وأعتقد انه سأل عني بعد اتصالي الأول فقيل له انني قد فلست وخرجت من الحديدة، فرد ببرود شديد جداً، وقال ايش بتجي تعمل.. قلت له ابحث عن عمل، قال خلاص لما توصل اتصل بي ونشوفك ان شاء الله.. كانت مكالمة مؤلمة عكس السابقة تماماً.. ???? قمت ليلة السفر في الثلث الأخير من الليل، ودعوت الله ان يوفقني وألا يعيدني من دبي إلا سالما غانما مجبور الخاطر، وبعد الفجر انتظرت في المسجد إلى الشروق وصليت ركعتين كانتا كأنهما أمام الكعبة في الحرم، من شدة الخشوع والدعاء الذي سكبته فيهما.. تحركت للمطار وسافرت في الموعد المحدد وبجيبي مئة دولار وانا مغادر إلى بلاد لااعرف فيها أحد إلا حمود الذي قررت ألا أتصل به لأن رده وصلني.. ???? وفي الطائرة، وبينما انا اتوكل على الله وادعو دعاء السفر وأقرأ القران إذ بأحدهم وهو شاب من أبناء عدن، كان لطيف جداً، بدأ يتعرف عليّ ويشرح لي عمله وان لديه محل بشارع جمال بصنعاء ويجي دبي يأخذ بعض الملابس والدراعات الغالية جدا ويصرفها ودخل في تفاصيل كثيرة ورغي كثير يريد قطع المسافة، وانا اريد ان استغل سفري في الدعاء والتوكل فهي آخر مغامرة إما وحصلت فرصتي للبقاء او رجعت اليمن وهو الخيار الأسوأ.. أحاول إغلاق المواضيع فيفتح غيرها إلى أن سألني وانت ايش جاي تسوي، قلت له ابحث عن عمل.. قال اووو ايش شهادتك.؟ قلت له ثانوية عامة.. قال اووو انت مجنون، صاحبي درس في لندن ومعه ثلاث لغات وعمته مزوجة شيخ اماراتي وقد معاها الجنسية، وله سنة عندها في دبي ماحصل عمل، البلاد دي ناشفة (بلهجة أبناء عدن).. بيني وبين نفسي قلت لابد من الهروب من جنب هذا الغراب، وقمت قلت له بروح الحمام، ورجعت اخر الطائرة وهناك حصلت كراسي فاضية.. جلست فيها لحالي واستأنفت خلوتي مع الله والتضرع اليه والتوكل عليه.. ???? وصلتُ مطار دبي على متن طائرة اليمنية، وكم كانت فرحتي ومفاجأتي كبيرة حينما رأيت الاخ حمود امامي في انتظار الواصلين بالمطار، سلمتُ عليه بحرارة واحتضنته بامتنان، وندمتُ على سوء ظني به، وسألته عن احواله وعمله وبعض المجاملات الأخرى من باب ان الناس تشيب وانت تصغر وضحكنا، لكني كنت اشعر انه لم يكن طبيعي، حركاته وكلامه وضحكاته لم تكن طبيعية، ليس هو صاحبي الذي أعرفه.. قلت له مشينا.. قال راعي باقي الشيخ..... (رجل اعمال وصديق مشترك) بيجي في رحلة الاماراتية بعد نصف ساعة.. ثم قال بتراعي والا بتسبق..!! فكرت فيها، يعلم الله بكم مشوار التاكسي من المطار، وبعدين الفندق، مش عارف فين الفنادق الرخيصة، فقلت لا.. براعي، والتزمتُ الصمت كالمصدوم.. كدتُ ابكي من تغير الناس تبعاً لتغير احوالك المادية، وتعاملهم مع فلوسك وليس مع ذاتك كإنسان، وكنت أردد في سري وملامحي مكفهرة، وحلقي ناشف ولي رغبة في البكاء: ارحموا عزيز قوم ذل.. الله لايهين عزيز.. ???? وصل الشيخ ومعه تاجر آخر يعمل في ذات المجال، وركبنا سيارة حمود، الشيخ بالكرسي الامامي وانا وصاحبه بالخلف.. وقفنا أمام برج تاون تاور على خور دبي، الذي يقع فيه نادي دبي للصحافة، ولمحت شعار النادي على البوابة، وكانت علاقتي بالصحافة لم تنقطع حتى وانا في الحديدة كنتُ اكتب المقالات وانشرها في الثورة و26 سبتمبر وغيرها.. فقلت له ايش شروط الاشتراك في نادي دبي ياحمود، فأجابني بطريقة مستفزة وتهكم ظالم، حز في نفسي كثيراً وحلفتُ يمينا ان اناضل لنيل عضوية النادي كي أرد على حمود فقط.. إلتفت اليّ بنصف التفاتة وقطب حاجبيه، وانا بالكرسي الذي خلفه، وقال يامحمد روح دور لك على محل تشتغل به، او مسجد تصلي بالناس، هنا بفلوسهم يجيبوا أكبر الصحفيين في العالم، لاتحلم بالصحافة هنا نهائياً..!! ???? قلت له الله كريم ياعزيزي، وسكتُ كأنني ملطوم، ومكبود جداً لكنها الظروف التي أمر بها.. وصلنا فندق الاخلاص في سوق مرشد، ونزلتُ مع الشيخ وصاحبه ودخلت معهم وقد حجزوا غرفة بسريرين، وعندما دخلت الحمام للوضوء سمعت احدهم يسأل الآخر: الخامري بيرقد عندنا نخليهم يجيبوا فراش، والا بياخذ غرفة لحاله..!! طول الطريق من المطار إلى الفندق وانا اتفرج على الشوارع وأقرأ اللوحات، لفت نظري لوحة (فندق مرحبا)، وعندما خرجت من الحمام سألني الشيخ نفس السؤال فقلت له لا، انا حاجز من اليمن بفندق اسمه مرحبا، واتصلنا للرسبشن نسأل عنه فقيل على بُعد اربعة شوارع.. صلينا قصرا وجمعاً ثم قلت لهم خلوا الشنطة عندكم، وبعدما احصل الفندق باجي اخذها، وخرجتُ أمشي في شوارع دبي في عز الحر، شهر يوليو ودرجة الحرارة لاتقل عن 45 درجة، لاادري اين اذهب، ولازلتُ بلا غداء إلا مااكلته بالطائرة، وخائف لو صرفت المئة الدولار ستطير..!!