نظراً لأني ركزتُ منذ بداية القصة على مصروفي القليل لدبي والتي كانت عبارة عن مئة دولار فقط، عاش العديد من المتابعين هاجس الخوف من نفاذها أكثر مني، وهذا جعلهم يتساءلون في تعليقاتهم عن الحلقة السابقة عن مصير الـ200 الدرهم التي استلفها مني الحبيب ناصر الاسد في أول لقاء لنا وتعارف بيننا، واضعين أياديهم على قلوبهم من مصيرها المجهول..
ونظراً لأني اكتب مذكرات لارواية أدبية فإني سأذكر ماحدث بالضبط، إذ انه ونظرا لحداثة سن الاخ ناصر تلك الايام، أعتقد انه لم يكن قد بلغ 18 سنة، لم يستطع ان يتخيل او يستوعب ان شخص قادم من اليمن للبحث عن عمل في دولة غريبة لايعرف فيها أحد؛ بمئة دولار فقط..
كلمته في المكتب فقال انه نسي ماجابها من البيت، وفي اليوم التالي لم أجده فاستعد الاخ حزام الورد رعاه الله ان نذهب سوياً لبيت الاخ ناصر؛ الذي فاجأني بانفعاله وأنني أحرجته عندما الاحقه للبيت عشان 200 درهم، ثم فاجأني أكثر انه اصيب بأزمة مالية كبيرة شبهتها بأزمة الكساد الكبير التي بدأت مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 أكتوبر 1929 والتي كانت ولاتزال أسوأ كارثة اقتصادية مر بها العالم في القرن العشرين، حيث أثرت عليه وتعدت أضرارها الكارثية إليّ، وتم جدولة السداد آنذاك على عدة دفعات استمرت اكثر من شهرين..
نعود إلى مكتب الشيخ زايد بن راشد بن عويضة.. قبل ان ادخل عليه؛ كنتُ أرى ساحة المحررين الصحفيين في الجهة المقابلة لي وانا بجوار مكتب زايد، والزملاء الصحفيين في مكاتبهم ويتجولون في أروقة الساحة واقسامها المكشوفة، وأتمنى ان لو كنت احدهم، لكني كنتُ قد تشربتُ حديث الاخ حمود رحمه الله واقتنعت به؛ بأنهم يأتون بأكبر الكتاب العالميين لصحافتهم، وبالتالي لايمكن ان افكر بالانتساب للصحافة الاماراتية كصحفي او كاتب بثانوية عامة..
دخلنا جميعاً بعدما كان قد خرج هو وصاحبه.. عرّفته بنفسي واني من اليمن رحّب بي كثيراً وقال ان اصولهم من اليمن، والنعم بأهل اليمن، وذكر انه يعرف الكثير من الشخصيات اليمنية التي تزور والده بين حين وآخر كالشيخ الزنداني وحمود هاشم الذارحي رحمه الله وبعض الشخصيات الأخرى..
وبعد السلام والكلام قلتُ له انني مرسل من الشيخ غريب القمزي بشأن مسجد البيت الذي تحدث معه الوالد بشأنه، فزمّ شفتيه وقال للأسف والله انه بالامس تم تعيين واحد شيخ شرواك (مثلك) يمني..
كان الخبر غير سار بل ومفزع بالنسبة لي، إذ اني قد علقتُ عليه آمال ورسمت خطط وافتتحت لي به طاقة الأمل، وانا منتظر بالباب لاكثر من خمس ساعات، لكنها إرادة الله الذي لاراد لقضائه وقدره، فحمدتُ الله وحوقلت واسترجعت..
كان الاستاذ المصري الذي عنده منذ الأمس هو الاستاذ محمد القدوسي مدير تحرير صحيفة الشعب المصرية التي كانت ناطقة باسم حزب العمل برئاسة إبراهيم شكري رحمه الله، والتي كنت اتابعها في التسعينيات بصنعاء وأشتريها مرتين في الأسبوع بسبب المقالات النارية لمجدي حسين ومحمد القدوسي وغيرهم، ومعجبٌ جدا بخطها التحريري، وقد جمعتني بالقدوسي زمالة أخرى بعد 10 سنوات من ذلك التاريخ في قناة المجد..
كان القدوسي وابن عويضة في اجتماعهم الطويل وربما لعدة أيام سابقة يناقشون تفاصيل تحديث صحيفة الوحدة بطاقم إعلامي جديد تحت ادارة الاستاذ القدوسي لأنها كانت تمر بأسوأ أيامها تلك الأيام مبيعاً وتوزيعاً..
وبينما انا أهمّ بالاستئذان والرحيل من المكتب الذي كنت أظن ان مصيري متعلق به، قلت للاخ المصري انت الأستاذ محمد القدوسي الذي كنت تكتب في صحيفة الشعب، فقال نعم انا كنت مدير التحرير، ثم تحدثنا عن بعض المحطات والمنعطفات الهامة في تاريخ الحزب والصحيفة حسبما كنت أتابعها آنذاك..
انتهينا انا والاستاذ القدوسي فقلتُ للشيخ زايد هل ممكن اكتب عندكم، وكان قصدي كتابة مقالات وليس العمل الصحفي لأن مؤهلي الثانوية كنت اعتبره عائق كبير امامي للعمل في مجال الصحافة لاسيما بعد كلام الاخ حمود سامحه الله..
رد عليّ بخلاف سؤالي وهي أقدار الله ودعاء الوالدة رحمها الله، قال انت صحفي؟، قلت له نعم وخرجتُ أعمالي من الملف وأعطيتها له وكانت عبارة عن مجموعة أعداد لصحف صدى الشعب وجهينة والوحدوي والوحدة، تصفحها سريعاً ورأى صوري في المقالات دون ان يقرأ شيئا فيها، ثم سلمها للقدوسي وقال له شوفه لو ينفع معانا..
أخذ القدوسي الصحف وقرأ بعض العناوين، ثم سألني عن عناصر الخبر وبعض الاسئلة البديهية البسيطة جداً للصحفي وانا اجيبه بسرعة..
إلى هذه اللحظات وانا أتحدث عن المشاركة في كتابة المقالات وليس العمل الصحفي كوظيفة، لكن ترتيب الله لم يخطر على بالي..
انتقلنا من الكراسي التي بجوار المكتب إلى الانتريه (الكنب الذي في صدر المكتب) وكان هناك عدد من صحيفة الخليج على الطاولة فأشار إلى خبر في صدرها وقال إقلب ده الخبر وعيد صياغته بطريقتك، وأتذكر انه كان بعنوان حاكم دبي يزور المنطقة الحرة في جبل علي، فبدأته من الاخير وجعلت عنوانه المنطقة الحرة بدبي تحقق فائضاً كبيراً في الإيرادات، فنظر القدوسي للشيخ زايد وأشار له بيده ده كدا يصلح معانا..
وسمعتُ بعدها أجمل عبارة مرت علي في الامارات حينما رفع زايد التلفون وتحدث مع ناصر في السكرتارية، وقال له خذ جواز الاستاذ محمد اليمني وخلي الشباب يطلعوا له إقامة وكلم عدلي يعمل له قرار تعيين وعقد توظيف ويجيبهم السبت اوقع عليهم.. ثم جمع اوراقي التي كانت على مكتبه وسلمها لي وقال مُر على السكرتارية واعطيهم جوازك يطلعون لك الاقامة وتواصل مع الاستاذ محمد متى تبدأ الدوام..
غدا بإذن الله سنكمل بداية العمل وملابسات الوضع الجديد مع اكثر من 10 زملاء مصريين استقدمهم القدوسي لتحديث الصحيفة..