طلعت عند الاخ أبو بدرل ناصر الاسد وتعرف عليّ وعرف طلبي وانني مرسل من وكيل وزارة الاوقاف فقال لي لو تريد نصيحتي انتظر إلى بكرة ربما يكون الاب موجود طالما وهو كلم الوكيل انه بيجي، اما اليوم مافي الا ابنه زايد ومعاه اجتماع يمكن يتأخر.. قلت متى بكرة، قال تعال بعد المغرب وانا ادخلك على طول.. ثم استدرك وقال انتظرني بوصلك للبيت لان دوامي انتهى اليوم..
فرحتُ بعرضه جداً، منها توفير اجرة المواصلات، ومنها اتعرف عليه اكثر طالما وهو في هذا المكان وأسأله عن الشيخ ابن عويضة وطباعه وبماذا ينصحني أيضا فهو ابن بلدي وأكيد سيفيدني..
انتظرته قليلاً ثم خرجنا بسيارته الخاصة وبعدما تحركنا قال لي ان السيارة فيها مشكلة منذ ثلاثة أيام ولم يجد الوقت لإصلاحها، استأذنك نمر المصفح عشان نصلحها وبعدين اوصلك للبيت..
طبعاً انا فاضي وهو قال ان المصفح يغلقوا المغرب ولو وصلني وراح يمكن مايلحقهم.. المهم مشينا المصفح ودخل السيارة ورشة وغير فيها بعض القطع ونقصت عليه فلوس فقال معاك 200 درهم ونمر البيت اعطيك إياها، طبعاً مش ممكن اتأخر عليه، اعطيته الفلوس وصلح السيارة والحمدلله، رجعنا واحنا نتكلم وانشغلنا ونسي يمر على البيت وواصل إلى النادي السياحي، ولما وصلنا ذكر فقال غداً باذن الله اجيب لك الفلوس..
الامر عادي جداً والمبلغ زهيد، لكنه عندي تلك الأيام كان اكثر من نصف رأسمالي فلم يبق في جيبي الا أقل من 100 درهم ويعلم الله كم بقي من الوقت للتوظيف ثم لاستلام اول راتب، نزلت من السيارة وانا كنت اريد ان اذهب عند الحاج علي لكني استحيت ان اقول له وصلني هناك، ومشيتها مشي، وبينما انا في منتصف الطريق بجوار وزارة الاوقاف ومعي الظرف البلاستيكي الذي لايفارقني وفيه كل اوراقي ووثائقي وبعض اعمالي الصحفية والـCV الخاص بي، طرأت لي فكرة لماذا لااجرب الذهاب إلى شركة الشرفي واعطيه توصية العم محمد سالم باسندوة وأرى مالذي سيحصل.. نطرق الابواب دفعة واحدة والذي يفتحه الله اولاً اهلا وسهلا به..
دخلت باتجاه برج الشرفي وطلعت الدور 12 تقريباً حسب اللوحة الارشادية في مدخل البرج وطلبتُ مقابلة قاسم الشرفي، وجدتهم يطلقون عليه اسم الشيخ قاسم فقلت مثلهم، وأبلغتهم اني احمل رسالة من السفير محمد سالم باسندوة.. انتظرت اكثر من ساعة ونصف، ثم دخلتُ عليه واستقبلني اول الأمر جيداً.. أعطيته الرسالة فقرأها وقال ماهو مؤهلك قلت ثانوية..
قال هل تعرف تسوق، قلت له نعم، قال معاك ليسن إماراتي، قلت له لا، لسه مامعي إقامة، قال خلاص روح قدم على ليسن ولما تطلعه تعال وابشر ولايهمك.. ابو خالد غالي علينا..
طبعاً كانت طردة باحترام وإلا فهو يعلم ان الرخصة لايمكن التقديم عليها إلا بإقامة سارية، وبعد الاقامة تعتبر الرخصة الاماراتية من اصعب الرخص في العالم واختباراتها معقدة جدا، وسبق لي ان سمعت هذا الكلام من احد الشباب في العزبة، حيث كان يختبر للمرة السادسة ورسب أيضا..!!
خرجتُ من عند الشرفي وانا زعلان ليش جيت عنده.. يتحدث بتعالي ولايقدر ظروف الذي امامه، ويعاملك كأنك غبي لاتفهم.. وأنّبت نفسي كثيراً..
اتجهت إلى المطعم الهندي لتناول وجبة البراتا والشاهي الحليب اليومية، ثم عدتُ مباشرة للعزبة..
صباح الخميس 20 يوليو 2000 قمتُ كالعادة وحسبت كم يوم مر عليّ وانا في هذه البلاد، وكم بقي لي من التأشيرة السياحية، لبست وكالعادة نزلت إلى مطعم الهندي الذي قرر ان يتعرف عليّ، بعد ان اطمأن اني مسكين وفقير جداً، لأن العرب هناك يتعالون على الهنود، قال ان اسمه مشتاق حسن، وانه هندي مسلم من كيرلا وان معه هذا المطعم وبقالة عبير في الشارع الخلفي..
عرفته بنفسي واني ابحث عن عمل وان شاء الله اليوم معي موعد لأجد عمل، فقال انا ادعي لك انت شاب زين، انا يشوف انت كل يوم صلاة الفجر في المسجد، وانا والله لم انتبه له ولم اره يصلي معنا في المسجد..
اكلت الوجبة المقررة وواصلت باتجاه الحاج علي رحمه الله.. وصلتُ وحكيتُ له ماجرى معي بالتفصيل الممل في مكتب الشرفي..
وعندما رآني زعلان ومحتقن من معاملة الشرفي غيّر الموضوع، وقال ايش عملت مع القمزي، ضحكت لأن تغيير الموضوع كان مفاجأة وعلى غير عادته فقد كان رحمه الله يحب الاسترسال في التفاصيل الدقيقة..
أعطيته كل التفاصيل، منذ دخولي على غريب القمزي في الوزارة، وذهابي إلى الحضارم ومقابلتي للشباب اليمنيين هناك، وان احدهم نصحني بالعودة غداً..
أعجب كثيراً بإنجازي وقال برافو ولدي، كذا انت تثبت لي انك مختلف، وأعطاني نبذة كاملة عن الشيخ راشد بن عويضة وقال ان العمل معه في مسجد البيت افضل من الأوقاف، وأسهب في شرح وجهة نظره والمكاسب التي سأحصل عليها وأقنعني تماماً بأنني موفق جداً في هذه الوظيفة..
خرجتُ من عند الحاج قبل الظهر واتجهت لمسجد الشيخ خليفة وصليت الظهر والعصر واتجهت نحو الجمعية لأتبرد، لانه في هذا الوقت يكون وقت الغداء في العزبة.. وبعد العصر روحت الشقة وغيرت ملابسي وصليت ركعتين للحاجة، واخذت ملفي واتجهت إلى شارع المرور مشياً ثم ركبت الباص الجماعي الاخضر..
وصلتُ حي الحضارم قرب المغرب، وهو حي يقع في الناحية الغربية لابوظبي، بين شارعي المرور والمطار، تم تسميته في سبعينيات القرن الماضي بتوجيهات من الشيخ زايد رحمه الله بعد بناء شعبية هناك منحها للحضارم الذين كانوا موجودين انذاك في الدولة بداية التأسيس مع منحهم الجنسيات وهم اليوم بالآلاف، ولازالوا متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم وكأنهم في حضرموت، يتوارثونها جيلا بعد جيل..
دخلت اصلي في مسجد الحضارم وهو المسجد الذي يجتمع فيه حضارم ابوظبي في المناسبات، واذا توفي اي حضرمي سواءً في ابوظبي او غيرها من الإمارات ضروري يصلوا عليه في هذا المسجد ويقيمون العزاء ثلاثة ايام فيه، يذبحون ويعشون ببذخ، وكان الهنود والبنغال والبتان يتحينون مناسبات الحضارم بالتواصي والاتصالات فيما بينهم..
صليتُ المغرب والعشاء ودخلت صحيفة الوحدة.. وجدت الاخ ناصر الاسد فأجلسني باستراحة صغيرة كانت بجوار مكتب زايد بن راشد بن عويضة، وقال لي اول مايخرج الي عنده انا ادخلك على طول..
فتح الباب زايد بن عويضة وهو شاب عشريني لكنه جثة كبيرة طول بعرض ماشاءالله، وخرج ومعه استاذ مصري، قمت اسلم عليه فقال نصلي العشاء ونرجع..
جلست مكاني لاني قد صليت العشاء جمعاً، وبعد الصلاة عادوا ودخلوا المكتب مباشرة..
مرت اكثر من خمس ساعات وانا جالس، وناصر مستحي لكنه لايستطيع عمل شيء، وانا أغلي من داخلي لكنها الحاجة والضرورة وكنت اصبر نفسي وأقرأ الصحف والمجلات التي كانت أمامي..
وبعد الساعة الواحدة فجراً خرج ومعه الاستاذ المصري فقمتُ وقلت له لو سمحت انا منتظر هنا من المغرب، قال والله نسيت تعال اتفضل ورجعنا للمكتب، وقال آمر.. ايش المطلوب.؟
اعتقد ان الحلقة طالت كثيراً.. غدا ان شاء الله نكمل