بكرت يوم السبت عند الوزارة قبل ماتفتح، وكانت عبارة عن برج زجاجي كبير، تقع في تقاطع شارع حمدان بشارع المرور، وكان خلفها حديقة صغيرة بالقرب من كورنيش البحر..
جلستُ اتمشى في محيط الوزارة وأتعرف على الابراج واسماء الشركات، استوقفتني لافتة صغيرة على مدخل احد الابراج القريبة من الوزارة وهي لشركة تابعة لمجموعة رجل الاعمال اليمني الاصل قاسم الشرفي، فتذكرت رسالة ابو خالد، العم محمد سالم باسندوة حفظه الله ورعاه التي كانت موجهة لقاسم الشرفي ان يوظفني في إحدى شركاته..
ستبدأ الآن الاستفسارات حول الرسالة ولماذا لم اذكرها في السابق..
الحقيقة ان الرسالة كانت عن طريق عمي ابو زوجتي الاستاذ عبدالكريم الخميسي رحمه الله واسكنه فسيح جناته، وكان صديقاً للوالد محمد سالم باسندوة الذي كان قبل تلك الفترة سفيراً في ابوظبي، وكنا نلتقي جميعا في بعض فعاليات مؤسسة العفيف..
عندما اعطاني عمي عبدالكريم التوصية قال لي خليها آخر خياراتك لأنها لاتتناسب مع قدراتك وامكانياتك فأنت لايمكن تكون عامل عادي (وكانت هذه نظرته لي رحنه الله)، لم أفهم كثيراً ماذا يعني لكني اخذتها ووضعتها في الشنطة..
وعندما زرت العم محمد طاهر انعم لأخذ الالف الدولار وجدت عنده شقيقه الاصغر سبأ الصليحي، وتحدثنا عن ماذا يمكن ان افعل هناك فقال إن لهم اعمال مشتركة خاصة بالمقاولات مع شركات المسعودي والشرفي وغيرها من الاسماء التي نسيتها، فقلت له معي توصية للشرفي.. قال هي شركة مقاولات في منطقة المصفح خارج ابوظبي وشغلهم كله خرسانات وشقاة وحمالين وأشياء لايمكن تمشي معك، ولذلك صرفتُ النظر عنها تماماً، وخليتها لآخر الظروف كما قال عمي رحمه الله..
رجعتُ الوزارة واستلمتُ النتيجة من سكرتير اللجنة ووجدت الاخ عبدالله الاهدل فنصحني بأن اذهب لوكيل الوزارة الشيخ غريب موسى القمزي وقال انه شخص ممتاز وممكن يساعدني..
دخلت للشيخ غريب وكان في اجتماع مع بعض زائريه في جانبٍ من المكتب، وأشر لي ان اجلس بجوار مكتبه..
جلست وكان يتحدث مع اصحابه وينظر إليّ، وبعد ان انتهى جاء وسلم عليّ بحرارة اخجلتني وكأنه يعرفني، وجلس بالكرسي الذي امامي وليس على مكتبه، وقال آمر شو تريد.. قلت له انا ظروفي صعبة جداً وقد تقدمت للاختبارات ونجحت بامتياز وهذي النتيجة وأعطيتها له فقال ماشاءالله ممتاز.. أبي منك تسمعني شيء من القران، بدأت أقرأ وهو يدقق في ملامحي ويعمل نفسه انه معجب بصوتي ويؤشر لي بيده ان اواصل..
انتهيت من القراءة فقال لي فالك طيب.. ارجع لي بكرة ان شاء الله وأكون شفت وين معانا احتياج..
كان استقباله وتبسطه معي بالكلام ثم وعده بالعودة غداً بالنسبة لي وظيفة جاهزة..
خرجت من عنده لعند الحاج علي وحكيت له ماحصل فقال ياولدي معك دعم رباني، هذا القمزي من قبائل بني ياس، شايف نفسه اهم من الكندي (الوزير انذاك) ولايتفاهم مع احد.. كيف عمل معك كذا، وكان مستغرب..
وانا أيضاً استغربت من كلامه وقلت ربما تقصد واحد ثاني، هذا مسكين جدا وحبوب..
قام من مكانه وراح لدولاب خلفه وجاب مجلة منار الاسلام التي كانت تصدرها الوزارة وطلع صورة الشيخ غريب وقال مش هذا، قلت له ايوه، قال هذا مايكلم احد..!!
حمدتُ الله وشكرته وعرفت ان الدعم الرباني الذي تحدث عنه الحاج علي رحمه الله قادم من الاخمور، دعوات الوالدة التي لاتنقطع بأن يسخر لي القلوب القاسية والرقاب العاصية كما كانت تقول دائما رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته..
ذهبت اليوم التالي إلى الشيخ غريب فكان غريباً كاسمه في استقبالي واشار لي ان اجلس في الكرسي الذي على شمال مكتبه، مكاني بالامس وطلب لي قهوة وبن يمني كما قال ضاحكاً، وجلس يمارس اعماله الاعتيادية في توقيع الاوراق واستقبال الناس وحل المشاكل التي تصله ويرمقني ببعض النظرات والابتسامات بين حين وآخر، ثم يواصل مهام عمله، مرت 3 ساعات وانا صامت وهو يتبسم لي ويقول لي بكلمك بعدما اخلص..
تقريباً الساعة 12 أعطى توجيهه ألا يدخل عليه احد، ثم قام ودخل الحمام وتوضأ وجاء يجلس في الكرسي الذي امامي كجلسة الأمس، وقال فيك شبه كبير جدا من اخوي الصغير الي مات بحادث سيارة الله يرحمه.. من جيت امس وانا فرحان كأن اخوي رجع لي.. كان يتحدث بتأثر كبير وسعادة واضحة، وقال لاتحاتي (لاتهتم) انا بوظفك ان شاء الله، بس اليوم ماحصلت شيء.. هات رقم تلفونك وانا اتصل عليك اول مااحصل اي فرصة..
لم يكن معي موبايل ولارقم فأخرجت كرت الحاج علي وأعطيته رقم تلفون المحل المسجل بالكرت، وقلت له إسأل على الحاج علي وهو بيبلغني أجي لعندك، كنت خايف يرد احد الهنود ويقول له الرقم غلط لأنهم مايعرفون اسمي.. استغرب كثيراً انه مامعي موبايل، كيف واحد يمشي بدون موبايل في هذا الزمان، معقول اني قادر اعيش بدون موبايل، وجلس يضحك كثيرا انه وجد شخص يعيش بلا موبايل..
ودعته وقد خفت لديّ الحماس ونشوة النصر وأحسستُ ان المدة ستطول ولن اجد وظيفة بسرعة، وان حبالهم لاتنقطع ونفسهم طويل كما قيل لي، وانا يهمني الاقامة كي لاتنتهي الثلاثة الاشهر السياحية واضطر للخروج من الدولة..
وصلتُ للحاج علي وأخبرته بما حصل فقال ان شاء الله خير ننتظر إلى يوم الأربعاء واذا مافي اي رد تروح له، وأكد على الهنود إذا حد اتصل وسأل على محمد الخامري..
وبينما نحن نتكلم قلت له اني وجدت شركة الشرفي جنب الوزارة، وكلمته على توصية العم محمد لصاحب الشركة، فقال خليها كما قال عمك آخر المطاف، واعطاني لمحة عن الشرفي الذي قال انه من يافع، وتجارته ومصانعه في المدينة الصناعية بالمصفح خارج ابوظبي، نفس كلام المهندس سبأ..
مرت عليّ الفترة من الاحد الى الاربعاء كأنها عمر طوييييل جدا.. كثفت فيه من الدعاء والتضرع والتوجه لله بتفريج همي وكربتي، وهو حال ابن آدم عندما تضيق عليه الدنيا يعود إلى الله بكل جوارحه، وصدق الله العظيم (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ)، نسأل الله العفو والعافية، وان يعاملنا بما هو أهله لابما نحن اهله، فهو اهل التقوى وأهل المغفرة..
يوم الأربعاء ذهبت إلى الوزارة ودخلت على الشيخ غريب وهو يضحك ويقول ايش عرفك اني كنت ناوي اتصلك اليوم.. فرحت جدا بهذا الكلام، واستبشرت به خير..
قال انه لم يجد لي مسجد شاغر، لكن الشيخ راشد بن عويضة وهو شيخ قبلي نافذ وصديق للشيخ زايد ويمتلك العديد من الشركات التجارية والابراج السكنية، طلب منه إمام لمسجد بيته الخاص وسيتكفل بسكنه ومرتبه، وقال اجلس عنده وجرب، إذا ناسبك استمر واذا ماناسبك نشوف لك مسجد تابع للوزارة، قلت له انا اريد إقامة حكومية لانها الأفضل وتتيح لك الحركة ولاتكون تحت رحمة شخص يتحكم فيك، فحط يده على انفه وقال حاضر تامر أمر، انا اعمل لك استثناء ونعطيك اقامة على الوزارة، فالك طيب..
اعطاني عنوان المكتب الذي سيتواجد به الشيخ راشد في الليل، وقال هو في نفس الشارع هذا، شارع المرور بس بعيد شوي، في حي الحضارم، روح لعنده من بعد العصر وقله انا من طرف غريب القمزي، وهذا رقمي الموبايل اذا فيه اي شيء اتصل عليّ..
خرجتُ من عنده وقت اذان الظهر وكان الجو نار الله الموقدة.. دخلت اقرب جامع اصلي وجلست اتبرد إلى ان أغلقوا الجامع، وخرجت أسأل عن حي الحضارم.. كانوا جميعاً يؤشرون لي بأن التاكسي بيوصلني اليه مباشرة..
كانت الفكرة بدأت تراودني مع حرارة الجو وقيظ الشمس وانا اتعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. كان فتح باب التاكسي آنذاك 3 درهم، اقل من دبي بدرهم.. حتى وجدت واحد حضرمي يشتغل في محلات بن مخاشن، قلي بعيد بس امشي للإشارة وفيه موقف باصات خضراء كبيرة، اركب فيها بدرهمين وقله نزلني في الحضارم.. كانت نصيحة مفيدة ودرهمين ارحم من تاكسي بـ20 على الأقل
ركبت الباص كما نصحني الحضرمي الطيب وقلت للسواق الحضارم، وفعلاً نزلني بالقرب من صحيفة الوحدة التابعة للشيخ راشد بن عويضة، والتي من المقرر ان التقيه فيها.. دخلت فإذا بشابين رائعين من ابناء اليمن كانوا في الاستعلامات مدخل البناية، حزام الورد وأعتقد انه الآن يمارس تجارة العسل في دبي كما سمعت، ومحمد حزام، سمعتُ انه في صنعاء يعمل وكيلاً لبرج الكندي في جولة المصباحي..
أخبرتهم بموضوعي فقالوا ان الشيخ راشد مش موجود بس ابنه زايد فوق، واتصلوا بالسكرتارية وكان فيها أيضاً شاب يمني اسمه ناصر الأسد أعتقد انه لازال هناك ولديه منظمة تنمية بشرية كما قيل لي وكان آنذاك صغير السن لكنه سابق سنه في النبوغ والتداخل مع الناس، وكان إماما لاحد المساجد ويعمل في صحيفة الوحدة بنفس الوقت..