ونحن في طريقنا الى بيت جدي علي اسماعيل قال لي شباطة : - مالك لوماتشوف حُرمة تلفت لاعندها وتُقعِّي كن امش ساني مثل" العِرْجْ "لاتلفت لايمين ولايسار .
وكان من الصعب عليّ - وانا في عدن - ان مشي مثل "العرج" وكيف بمقدوري ذلك و كل شيئ فيها يستوقفك ويلفت انتباهك !! لكن اكثر ماكان يستوقفني ،ويلفت انتباهي، ويجعل رقبتي تدور الى اليمين، والى الشمال. هو الجمال :جمال العدنيات . كن سافرات، جميلات، مبودرات، ومحومرات، شفايفهن مشتعلة مثل الجمر، وخدودهن ملتهبة، وشعورهن المندوشة تتموج كلما هبت نسمة من نسيم البحر، اما عندهبوب ريح اومايشبه الريح فكانت تخفق مثل اشرعة المراكب. وبقدر ماكان جمالهن يثير دهشتي ادهشني اكثر خروجهن ليلا وهن بكامل زينتهن . وكنت وانا احملق في جمرات شفايفهن اتذكر الفقيه سعيد بالقرية واقول بيني ونفسي : - لوالفقيه سعيد موجود في عدن وشاف العدنيان وهن مبودرات ومحومرات ويمشين في الليل لسوف يصرخ ويشتم ويلعن ويقيّم القيامة. وكان الفقيه سعيد اذا ابصر امراة تعبر الدرب عصرا وعلى شفايفها " الاحمر الملعون "يحومرُ "بها، ويشتمها، ويلعنها ،ويسمّع بها القرية كلها، ويعلن من سقف المسجد، اومن سقيفة بيته بان القيامة على وشك ان تقوم . كان يسمي احمر الشفاه: "الاحمر الملعون" ويقول عنه : -هذا الاحمر الملعون لون النار ، ولون الكفر، و لون الشوعية، وهو لون ابليس الشيطان ،ولون جهنم الحمراء . وكانت نساء القرية لايتجرأن حتى في الاعياد على الخروج عصرا وهن ب " الاحمر الملعون " خوفا من لعنات الفقيه سعيد. كنت كلما ابصرت العدنيات يعبرن من امامي وهن بكامل زينتهن اتذكر نساء قريتنا واتذكر معاناتهن مع الفقيه سعيد .
كان شباطة يضبطني وانا "مقعّي" احملقُ مبهورا بجمرات شفايفهن وكان يصرخ بي قائلا: - قلت لك لاتلفت لاعند النسوان.. لوشافوك اهلهن وانت مقعِّي لاجنابهن والله لايكسروا لك لقفك. قلت : - بس هاذن ياشباطة باين مافيش معاهن اهل!! والاكيف يمشين بالليل بين الرجال وهن مبودرات، ومحومرات، وعندنا بالقرية الفقيه سعيد يقيّم القيامة لوشاف بنت مُحَوْمَر !!
وكان ان وجد شباطة في مقارنتي هذه مبررا للانفجار وللتنفيس عن غضبه : -هنا مافيش عندهم لادين ولاملة، ولافي واحد عاقل ينهي المنكر. حتى الفقها ء حقهم كذابين ومنافقين يحللوا الحرام ويحرموا الحلال وكلهم عملاء للاستعمار. والّالوهم رجال، واحرار، ورجال دين من صدق.. يقدروا بخطبة من خطب الجمعة ينهوا كل هذا الفحش والمنكر. لو بس قالوا للمصلين يخرجوا بعد صلاة الجمعة يكسّروا المخمارات والسينمات لخرجوا كلهم وانا اولهم. ولاول مرة ارى شباطة ينفجر، ويفجّر غضبا طالما كبته وكتمه في داخله . حتى اني خفت منه ،وخفت اكثر لويتحقق مايريده ويتمناه، وقلت بيني ونفسي محتجا على رغبته في تحطيم السينمات : - ليش الّالمانزلت عدن شباطة يشتيهم يكسروا السينمات !! وبعد انفجاره راح يفرغ مابجوفه ويقول لي : - شوف عدن هذي يحكمها العنجريز ..وهم نصارى كفار. ومن يوم دخلوا عدن.. فتحوا المخمارات ،والسينمات، وسمحوا للحريم يخرجين من بيوتهن، وهن كاشفات، محومرات، ومبودرات ومبخرات .ومايهمهش لوتعرططين، وخرجين للشوارع عراطيط . لكن اليوم في ثورة قامت ضدهم وبكرة او بعده بايخرجوا من عدن غصبا عنهم والنسوان بعد خروجهم من عدن بايدخلين البيوت بدل من الصعلكة بالشوارع مثل النصرانيات. وسالت شباطة عن النصرانيات : - هل النصرانيات يخرجين عراطيط ياشباطة ؟ قال : مش عراطيط عراطيط ..لكن وقت الحمى يروحين البحر يسبحين وبتعرططين .الرجال عراطيط وهن عراطيط. وتشوفهم بالساحل مثل الكلاب عُرْطُوْطْ يِعْرَطْ عُرْطُوْطَة.
كان شباطة يمشي بخطوات كبيرة وكل خطوة من خطواته بعشر خطوات من خطواتي.. وكثيرا ماكان يسبقني ويغيب في الزحام، حتى اذا التفت ولم يجدني خلفه عاد ليحثني على اللحاق به. مرة وانا اجري خلفه لالحق به مرت ثلاث بنات بملابس قصيرة سيقانهن عارية حتى الركب وكانت تلك اول مرة ارى فيها سيقانا بذاك العري حتى اني نسيت نفسي ونسيت شباطة وتذكرت جدتي . كانت جدتي تقول بان البنت الجميلة لاتكون جميلةبوجهها وانما بادرامها "المليحة تعرف باادرامه " وفيما رحت احملق ب " ادرام "وسيقان البنات الثلاث افتقدني شباطة وعاد اليّ وهو في قمة غضبه وذروة هيجانه ومسك بي من قفاي بقوةوقال لي وهو يجرّني بعنف: - انت من يوم سبّيْت لي بالراهدة عرفت انك مالقيتش من يربوك . اشوفك من يوم خرجنا من المطعم وانت مقعِّي تتفرج على النسوان ..هذا وعادك جاهل بكرة بعده شنزهد قدك بالسَّيْسـَبَان . ولم اكن اعرف ايش هو السيسبان، ولم اساله، ولم اجرؤلشدة ماكان غاضبا وهائجا. لكني رحت اسأل نفسي عن سر غضبه وهياجه واسال ماالذي اثاره وجعله يتذكر ماحدث بيننا في الراهدة . وبيني ونفسي قلت : شباطة هذا خبيث " يحقد" لكني بعد ان سرت خلفه بضعة خطوات عرفت سبب ثورته وهياجه. كان ثمة مبنى من دورين وكان ذلك المبنى هو الذي اثاره وجعله يستثار ويهيج كما يستثار الثور من الخرقة الحمراء، ومثلما يُستثار الفقيه سعيد حين يرى شفتين حمراوين. لكن اكثر مااثاره واستفزه واغضبه هو انه وهو يقترب من ذلك المبنى اللعين اكتشف باني غير موجود . اما انا فعندما اقتربت من ذلك المبنى ورايت اللوحة المضيئة وقرات الاسم : (سينما هريكن ) اكتشفت باني موجود ولم اكن لحظتها قد عرفت الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت والا لقلتُ : - "انا اسينم اذن انا موجود"..
غداً الحلقة العاشرة.