بدأ البرنامج النووي الإيراني في فترة مبكرة للغاية تحديدا في خمسينيات القرن الماضي بعد توقيع الشاه محمد رضا بهلوي اتفاق تعاون مع الولايات المتحدة عام 1957م، حصلت طهران بموجبه على مساعدات نووية فنية من واشنطن، وكان الشاه يخطط لبناء أكثر من ٢٠ مفاعلا نوويا للاستخدامات السلمية بحلول التسعينات غير إن خططه باءت بالفشل إثر قيام الثورة الخمينية على نظام حكمه عام 1979م ثم توقف بشكل شبه كلي جراء اندلاع الحرب العراقية الإيرانية.
واستئنفت إيران المشروع مجددا في التسعينات إلى أن وقعت اتفاقية "سعد آباد" مع الغرب عام 2003م وبناء عليها علقت جميع الأنشطة النووية، وبعدها بعامين قررت إستئناف المشروع مجددا وزادت من عدد أجهزة الطرد المركزي وافتتحت منشئات نووية جديدة وواصلت تخصيب اليورانيوم لنسبة 20% مما جعل الملف النووي الإيراني ينتقل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس الأمن الدولي، وفرضت الأمم المتحدة 7 قرارات ضد إيران، وفشلت جميع جوالات التفاوض حتى توصلت إيران مع مجموعة (1+5) للاتفاق النووي عام 2015م الذي يقضي برفع تدريجي ومشروط للعقوبات عنها مقابل ضمانات بأنها لن تسعى لامتلاك سلاح نووي.
وفي عام 2018م انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الإتفاق ووصفه بأنه كان "سيئا ومعيبا في جوهره" وفرض عقوبات جديدة على إيران، وردت إيران بتقليص التزاماتها ببنود الإتفاق كان آخرها إعلانها البدء برفع نسبة تخصيب اليورانيوم من 4% إلى 20% نهاية العام الماضي وإن حصل ذلك فهذا يعني عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الإتفاق النووي.
وفي خضم هذه التطورات قال وزير الخارجية الأمريكي بداية الشهر الجاري إن إيران ربما تكون على بعد أسابيع من امتلاك مواد لسلاح نووي إذا واصلت خرق الاتفاق النووي، وأعلن استعداد بلاده إلى الرجوع للاتفاق إذا توقفت إيران عن انتهاك بنوده، ومؤخرا دعت لإجتماعات مجموعة (1+5) مع إيران أملا في إحياء الإتفاق؛ فما مدى دقة كلام المسئول الأمريكي، وهل إيران تستطيع فعلا امتلاك قدرات نووية، وكيف تنسحب أمريكا من الإتفاق أولا ثم تدعوا إيران إلى الرجوع إليه؟
لا يخفى على أحد أن السلاح النووي يعطي صاحبه مزيدا من القوة والمكانة على الصعيدين الإقليمي والدولي سياسيا وعسكريا، وفي حالة إيران فهي لديها مشروع يتمثل في إعادة إنشاء الإمبراطورية الفارسية، وتعتمد في تحركاتها على ثلاثة أوراق أساسية، الأولى هي المجموعات الموالية لها في عدة بلدان كاليمن ولبنان والعراق مع عشرات الألوف من المجندين المستعدين للتضحية من أجلها، والثانية سيطرتها على مضيق هرمز الذي يمر عبره حوالي 40% من إمدادات النفط العالمي سنويا، والورقة الثالثة هو برنامجها الصاروخي الذي قطعت فيه مشوارا لا بأس به، أما السلاح النووي فأغلب الخبراء يستبعدون قدرتها على حيازته في المنظور القريب على الأقل نظرا لافتقادها للإمكانيات الفنية والنقدية، ولعدم مقدرتها على تحمل تبعات إنتاجه الثقيلة كالحماية والتطوير، لذا الحديث عن أنها باتت قاب قوسين أو أدنى من امتلاك ذلك السلاح ليس دقيقا ويحمل في طياته أهدافا أخرى يسعى الأمريكان لتحقيقها.
وكلمة السر تكمن في النظرة الأمريكية لإيران التي كانت وما زالت بمثابة الأداة لتمرير أهداف سياستها في المنطقة التي تسعى لإعادة رسم خارطتها على أسس عرقية ومناطقية وطائفية، لذا تحاول استغلال جميع تحركاتها وطموحاتها لصالحها، وتغض الطرف عن تحركات أتباعها في كل مكان، وما حدث في العراق واليمن خير شاهد على ذلك فلولا أتباع إيران في كلا البلدين لما تحولتا إلى دولتين فاشلتين ولما أصبحتا مهددتين بالتقسيم، والشيء الوحيد غير المسموح لها أن تصل إليه هو أن تمتلك سلاحل نوويا لذا فرضت عليها أمريكا كثيرا من العقوبات الإقتصادية، لكن لا مانع عند صانع القرار الأمريكي أن تستمر إيران بالتلويح بالورقة النووية لعدة أسباب منها: - تكثيف الضغط على السعودية - تصوير إيران أنها العدو الأكبر الذي يتهدد المنطقة العربية. - استمرار إظهارها بأنها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تعادي الغرب الإمبريالي وتريد الإنفكاك منه. - فسح المجال أمام حفلات التطبيع مع الكيان الصهيوني. - تقديم دولة الكيان على أنها الضامن لأمن المنطقة وأنها الوحيدة القادرة على وضع حد لأنشطة إيران.
وأخيرا ينبغي الإشارة إلى تصريحات أدلى بها الرئيس الأمريكي جو بايدن عقب فوزه بإنتخابات الرئاسة وجاء فيها "إن العودة إلى هذا الاتفاق(النووي) تمثل مدخلا لاستعادة زمام السيطرة على منطقة الشرق الأوسط" وسواء أكان الإتفاق السابق أو اتفاقا آخر فلن يصب إلا في مصلحتهما فقط مع استبعاد مصالح ومطالب دول المنطقة.