في 5 من تشرين الثاني/نوفمبر من العام الفائت 2019م وقع كلا من المجلس الإنتقالي والحكومة الشرعية اتفاقا لإنهاء الخلافات بينهما التي بدأت عقب سيطرة الأخير على عدن في آب/أغسطس من نفس العام، ظل الاتفاق يراوح مكانه بلا تنفيذ إلى أن وقع الطرفين مجددا نسخة معدلة من الإتفاق الأول في 29 تموز/يوليو الفائت يقضي بتنفيذ الشق السياسي من الاتفاق قبل الشق العسكري.
وبعد مخاض شديد استمر لأكثر من سنة أعلن عن ولادة الحكومة اليمنية الميمونة يوم الجمعة الفائت 18 من كانون الأول/ديسمبر بعد شق الأنفس على أن ترجع إلى أرض الوطن بعد غياب مديد وغربة هي الأطول من نوعها لحكومة في العالم، ومن المفترض تنفيذ الشق العسكري قبل وصول الحكومة الذي يقضي بخروج أتباع الإمارات من المدن التي سيطروا عليها.
من المعلوم أن التحالف تمكن من السيطرة على عدن قبل خمس سنين في تموز/يوليو 2015م ومنذ ذلك الحين إلى الآن لم ترى تلك المدينة الجميلة سوى الاغتيالات وتدهور الخدمات؛ فما الذي تغير حتى يحن عليها وعلينا لكي يرجع الحكومة إليها لتباشر مهامها، ألم يكن بمقدوره مساعدة الحكومة في تلك الفترة لتحول مناطق سيطرتها إلى مناطق آمنة ثم العمل على إصلاح المؤسسات وتقديم الخدمات للناس على الأقل من باب إثبات جدارته وصدقه.
ألم تكن الحكومة هي الوحيدة الموجودة على الساحة في تلك الفترة؛ فلم يكن بحاجة لاتفاقات وتفاهمات ومفاوضات ولجان إشرافية وضجة إعلامية. لنفترص أنهم أخطئوا ويريدون الآن تصويب مسارهم، ولا نجادل على فحوى الإتفاق الذي أخرج الحكومة، فهو جميل بجمال العروس يوم زفافها، لكن من هو العاقل الذي يظن أنه سيطبق بحذافيره ولن يتم التلاعب به أو المناورة على بعض بنوده أو نقضه بالكلية؟ من يظن ذلك لابد أنه نسى "اتفاق السلم والشراكة" عام 2014م الذي لم يكن برعاية دولة بعينها وإنما كان بمرأى ومسمع الأمم المتحدة ومبعوثها جمال ابن عمر، وبعدها يعلم الجميع النتائج المؤلمة التي حلت بنا وببلادنا، ولن تختلف النتيجة هذه المرة.
وهل هناك من ينسى ما فعلته الإمارات، لقد قامت بإيعاز من أسيادها بإيقاظ النزعة المناطقية وبعث الروح الإنفصالية في الجنوب اليمني، ووجدت قيادات تتلقف أوامرها من حالمي الحكم ومشايخ السلطة وقاعدة شعبية لا يهمها من يقودها ما دامت الدراهم الإماراتية في المقدمة، ثم دربتهم وقدمت لهم السلاح، وأنشئت لهم قنوات تلفزيونية، وصفت مناويئهم، وكل هذا على مرأى ومسمع من السعودية راعية الحكومة إلى أن سيطروا لها على عدن وسقطرى ومناطق أخرى، ثم بدأو بمحاولات حقيقة لتجريف عقول الناس وأفكارهم لصالح أهدافهم الانفصالية. وحينما لم ينجحوا بإسقاط جميع محافظات الجنوب والشرق بالقوة رأو أنه لا مانع من تشكيل حكومة يكونون جزءا منها ليترقبوا حلول فرصة جديدة لاستكمال مشروعهم، وهي في كل الأحوال ليس بوسعها اتخاذ قرار كبير بدون علم ورضا من شكلها وجميع تحركاتها مرصودة وتحت المجهر.
بعد كل هذا يريدون منا أن نصدق أنهم نسوا المليارات التي أنفقوها، والجهد الذي بذلوه، والشركات الأمريكية التي استئجروها للاغتيالات، والأرض التي سيطروا عليها، والموانئ التي عطلوها،والمكانة التي تبؤوها، وأنهم تخلوا عن أهدافهم وتحولوا مواطنين صالحين بفضل حفنة من الوزارات التي أعطيت لهم. لا لن نصدقكم، وهذه الحكومة لن تقدم شيئا حقيقيا ولن تؤخر، وهي لا تعدوا سوى كذبة من كذباتكم.