الحلقة الأولى:
كان اهالي قريتنا الذين سبقونا الى المدينة عدن لشدة خوفهم علينا نحن الاطفال الذين وصلنا للتو من القرية يحذروننا الاقتراب من ثلاثة اشياء جميعها تبدأ بحرف السين : سيكريم -سيكل -سينما وكانت السينما هي اكبر واعظم خطيئة يمكن اقترافها واذا جاز لنا استخدام مصطلحات العرف القبلي فقد كانت السينما هي"العيب الاسود" وهي ام الخطايا وام العيوب ويكفي ان يشهد احدهم بانه شاهدك عند باب السينما او شهد بأنك تسينم حتى يفتضح امرك، وينتشر خبرك، وتصبح سمعتك في الحضيض : كلمتك غير مسموعة وشهادتك غير مقبولة وصلاتك باطلة . اول ماوصلت عدن قال لي ابن عم لي وهو يقرص اذني : -سيكريم ،لا -سيكل، لا -سينما ،لا ثم راح يشرح لي اللاءات الثلاث: -اوبه تاكل سيكريم ، اوبه تركب سيكل، اوبه تدخل سينما . لوشفتك تاكل سيكريم ، اوتركب سيكل ، اوتدخل سينما، الله شلك الله جابك ووعدته صادقا باني لن اقترف ايا من الخطايا الثلاث وقتها لم اكن اعرف ماهو السيكريم ، ولاماهو السيكل، ولاماهي السينما . كان يكلمني وانا محشور داخل كيس نومي، بحضور اولاده واولاد اولاده، وكان بي خوف من ان يكتشفوا خطيئتي التي حملتها معي من القرية، والتي هي اكبر واعظم من الخطايا الثلاث التي يحذروني من اقترافها. كانت امي خوفا عليّ من الفضيحة قد وضعت ملابسي في كيس النوم، واصرت رغم معارضتي لها ان آ خذ معي كيس نومي الى عدن، ونصحتني بالنوم داخل الكيس، حتى اذا اقترفتُ تلك "الخطيئة العظمى" خطيئة التبول اللاارادي "اثناء النوم، اتبول داخل كيس نومي، وليس فوق فراش اهل البيت . كان التبول اللاإرادي اثناء النوم هو نقطة ضعفي.. لكن ان تتبول في بيوت الآخرين فذلك هو الرعب . اتذكرمرة اني ذهبت الى منطقة "عيريم" في" القبيطة" مرافقا لبنت اخي" لولا "المريضة. قالوا بان مرضها شيطاني وان هناك في عيريم بالقبيطة شخص مشهور بمعالجة هذا النوع من الامراض هو السيد هاشم وطلبوا مني تجهيز الحمار ومرافقتها في تلك الرحلة الطويلة التي بدت لي كما لو انها رحلة الى آخر الدنيا والى الطرف الآخر من العالم. ولان المنطقة بعيدة ولايمكننا ان نذهب ونعود في نفس اليوم فقد كان علينا ان نبيت في بيت السيد اتذكر اني ليلتها ولخوفي من ان اتبول رفضت اشرب شاهي وعملت بنصيحة امي التي كثيرا ماكانت تنصحني بعدم شرب اي شيئ قبل النوم لكن الذي حدث هو اني حين استيقظت في الصباح اكتشف بأني قد "نهلت جرة" ( تعبير كانت امي تستخدمه معي باعتباري ابنها "البوّال" كانت حين تتحس فراشي في الصباح وتجده في غاية البلل تقول : "اليوم ابني البوّال نهل جرة " ) يومها كنت شديد الخجل من نفسي حتى لقد تمنيت لو تنشق الارض وتبتلعني وطوال مكوثي هناك كان يساورني شعور بان الكل في بيت السيد هاشم يتحدث عني وعن فضيحتي المجلجلة لكن اكثر ماآلمني هو ان لولا المريضة بنت اخي راحت بعد عودتنا للقرية تقول لامي واخواتي ولكل من يسالها عن الرحلة باني تبولت في بيت السيد وكنت انا اشتمها وابكي..
إلى اللقاء في الحلقة الثانية.