يُعد الحسن الهمداني المُؤسس الأول للمُنطلقات التحررية الوطنية، عايش اللحظات الأولى لتأسيس دولة الإمامة الزّيدِيّة، ودافع باستماتة عن اليمن ومَجدها الحضاري، وعارض الفكر الإمامي الكهنوتي العُنصري، وقال مُنتقدًا الإمامة والإمام: تملكها بمخرقة رجال بلا حقٍ أُقيمَ ولا بِحدِّ
وقد كانت على الإسلام قدمًا ولم تسمع بهادي قبل مهدي
وهو رغم موقفه ذاك، ورغم تفاخره بقحطانيته، أشاد بمناصرة بني قومه لعلي بن أبي طالب، وقال في دامغته:
ووازرنا أبا حسن عليًا على المُرَّاق بعد الناكثينا
وسار إلى العراق بنا فسرنا كمثل السيل نحطم ما لقينا
علينا اللام ليس يبين منا بها غير العيون لناظرينا
فأرخصنا الجماجم يوم ذاكم وما كنا لهن بمثمنينا
وأجحفنا بضبة يوم صلنا فصاروا من أقل الخندفينا
وطايرنا الأكف على خطام فاشبهتها إلا القُلِينا
وعنَّانا الخيول إلى ابن هند نطالب نفسه أو أن يدينا
وطلنا نفتل الزندين حتى أطارا ضرمة للمضرمينا
وروَّحنا عليها بالعوالي وبيض الهند فاستعرت زبونا
ونادينا معاويةَ اقتربنا بجمعك أننا لك موقدونا
فصدَّ بوجهه عنا كأنا سألناه شهادةَ مُزْوِرِينا
وحامت دونه جمرات قومي ومن دون الوصي محافظينا
فأبهتنا نزارًا بالذي لم يكونوا في الوقائع يعرفونا
فطار فؤادُ أحنفكم فولَّى ببعض تميمَ عنّا مرعبينا
ويوم النهروان فأي يوم فَلَلْنا فيه ناب المارقينا
ولاقى مصعبٌ بالدير منا شباة مُذَلَّق بتك الوتينا
يُجمع كثيرٌ من المُؤرخين على أنَّ التشيع أصله يمني لا فارسي، جَاعلين من خروج علي بن أبي طالب إلى اليمن - مَرتين - مُنطلقًا لتلك النزعة، مُشيرين إلى أنَّ الهمدانيين استقبلوه في أوائل السنة التاسعة للهجرة - وهي المرة الأولى - بِحفاوة بالغة لم يلقها منهم خالد بن الوليد؛ الأمر الذي جعل الأخير يقول فيهم: «رأوا في علي خؤولة جدِّه، وليس لمخزوم في حمير خؤوله». جاءت بعد ذلك الفُتوحات الإسلامية المُتسارعة، واستوطنت بعض القبائل اليمنية الكوفة، تبنت الأخيرة التشيع كتنظيم سياسي بعد مقتل عثمان بن عفان، لتتنامى تلك الحركة أكثر بعد مقتل علي بن أبي طالب، وحين عزم الحسين الخروج على الأمويين، نصحه عبدالله بن عباس قائلًا: «وإذا أردت أحسن الأمور قصدًا فلترحل إلى اليمن حيث شيعة أبيك». ومن هذا المنطلق فالتشيع كان بادئ الأمر حركة سياسية مُساندة للعلويين ضد خصومهم الأمويين، ثم العباسيين، ولم يتحول إلى مذهب ديني مُتطرف إلا بعد وفاة جعفر الصادق 148هـ، حيث أصبحت الولاية جزءًا من العقيدة، وأضحت تلك العقيدة مُلوثة بالعنصرية، ومُكتظة بالموروثات الإسرائيلية والفارسية، وبعيدة كل البعد عن مقاصد الدين الإسلامي الحنيف.