كي ينتقم من قتلة صديقه الرئيس أحمد حسين الغشمي، طلب الرائد علي عبدالله صالح من المشايخ دعمه للوصول إلى السلطة، ومن السعودية أتت طائرة خاصة أقلت الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر إلى جدة، وهناك أقنع السعوديون الأخير بضرورة مُساندة الشاب الطامح، فيما تولى صالح الهديان المُلحق العسكري في السفارة السعودية بصنعاء (الرجل الأول في اليمن حينها) مَهمة إقناع باقي المشايخ المُعترضين، وهكذا أصبح صالح رئيسًا للشمال 17 يوليو 1978م، وسارع المُحللون بالتنبؤ بأنَّ الكرسي المُلتهب سيلفظه خلال أسابيع معدودة. لم يلفظ الكرسي المُلتهب صالح، ولم يبدأ حربه الانتقامية؛ بل بدأها الجنوبيون، وذلك بعد ثمانية أشهر وعشرة أيام من توليه الحكم، وسيطرت قواتهم المُتحفزة على البيضاء، وحريب، وقعطبة، وغيرها من القرى والمدن الشمالية 24 فبراير 1979م، وسارع المُحللون - مرة أخرى - بالتنبؤ بأنَّ سقوط النظام الشمالي - الغارق حينها في إشكالات كثيرة - صار وشيكًا. «نعم نحن بدأنا الحرب، إذا ربحنا سنخلق اليمن الكبرى، وإذا خسرنا ستتدخلون لحمايتنا»، هكذا رد مسؤول جنوبي كبير على السفير السوفيتي في عدن؛ بعد أنْ أبلغه نبأ اعتراض السوفيت على تلك الحرب، لم يتدخل الأخيرون لصالح الجنوب، فيما تدخلت الجامعة العربية إلى جانب الشمال، وجمدت عضوية اليمن الجنوبي.
وفي ذات السياق هددت سوريا، والعراق، والأردن بإرسال قوات مُساندة لليمن الشمالي إذا لم يتوقف القتال، وأعلنت السعودية وضع قواتها المُسلحة في حالة تأهب، واستدعت وحداتها العسكرية التي كانت تعمل ضمن قوات حفظ السلام في لبنان، وتحركت قوات من الجيش والحرس الوطني إلى المناطق الحدودية مطلع الشهر التالي.
كان الجيش الجنوبي هو الأقوى، لاعتبارات عدة؛ أهمها أنَّه كان يحمل عقيدة ثورية وحدوية تُقدس الوطن لا الفرد، وأنَّ قوامه لم يكن من أبناء المناطق الجنوبية والشرقية فقط، فقد حوى بين صفوفه ضباطًا وعساكر شماليين، وبالأخص من أبناء المناطق الوسطى، الذين نزحوا من الشمال في مراحل مُتفاوتة، وانخرطوا في صفوف ذلك الجيش، وفي صفوف الجبهة الوطنية الديمقراطية، التي تأسست قبل ثلاث سنوات، وكان لها دورًا بارزًا في تلك الحرب وغيرها.
من أبطال ملحمة السبعين يومًا المحسوبين على النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب الذين أقصوا بعد أحداث أغسطس من العام 1968م، إلى قوات المظلات التي غادرت صنعاء بقيادة الرائد عبدالله عبدالعالم 28 أبريل 1978م، بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي بـ 198 يومًا، إلى القوات التي توجهت جنوبًا بعد فشل الانقلاب الناصري 15 أكتوبر من ذات العام، عناصر فاعلة ساهمت برغبتها الثأرية المُتأججة في ترجيح كفة الشطر الجنوبي، إلا أنَّ الرياح أتت بما لا تشتهي سفنها. التقى الرئيسان علي عبدالله صالح، وعبدالفتاح إسماعيل في الكويت 29 مارس 1979م، وانتهت بلقائهما تلك الحرب، بعد أنْ خلَّفت أكثر من 6,000 بين قتيل وجريح، لتبدأ بعد إزاحة الأخير، وصعود علي ناصر محمد أبريل 1980م، جولة جديدة من مُواجهات المناطق الوسطى، كانت الأعنف، وأصبح للجبهة الوطنية ستة أهداف سياسية، كان أهمها:
- صيانة سيادة البلاد واستقلالها الوطني، وذلك بتصفية كافة مظاهر وأشكال نفوذ قوى الاستعمار والإمبريالية، وإنهاء تدخل ونفوذ الرجعية السعودية، واستكمال السيادة الوطنية على جميع الأراضي اليمنية.
- حماية منجزات ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، والوقوف ضد أية حرب، أو ما من شأنه أن يقود إلى حرب تدبرها القوى الرجعية والإمبريالية وعملاؤهم المحليون في شمال الوطن فيما بين الشطرين.
عمل الرئيسان علي ناصر محمد، وعلي عبدالله صالح على التخلص من بؤر التوتر، واتفقا نهاية العام 1981م على قطع الدعم عن الجبهة الوطنية، وإيقاف بث إذاعتها من الجنوب، قاد الأخير حوارًا مع قادتها، على اعتبار أنَّ الخلاف اصبح شمالي - شمالي. صدرت صحيفة (الأمل)، واستمر مسلسل الاغتيالات، وفشل الحوار، وعادت لغة الرصاص لتلعلع من جديد. بعد ثلاثة أعوام من مساندتها للنظام الشمالي في حربه مع الجبهة القومية، دخلت الجبهة الإسلامية (إخوان مسلمون - مشايخ قبليون) وبقوة على الخط مارس 1982م، لتدور أعنف المعارك في مايو ويونيو من ذات العام، ولولا هذا التدخل الجبهوي المضاد، والمدعوم سعوديًا؛ ما انتصر النظام الشمالي، وما رفعت الجبهة الوطنية منتصف الشهر التالي راية استسلامها.