علي محمود يامن
كتابة التاريخ فن يحتاج الى مهارة عالية، ومخيلة إبداعية محترفة، وأدوات معرفية وتحليلية متكاملة، قائمة على القراءة والتدبر، والغوص في التفاصيل، والجمع بين متعة القراءة، ولذة الكتابة، واستلهام الدروس، واستخلاص التجارب، والإحاطة بالمعطيات، والخروج بأفضل النتائج. وهو ما يجيد السباحة في بحره العميق واحد من أفضل كتاب التاريخ اليمنيين المعاصرين، الشاب النبيل، المثقف الاكثر وعيا، الكاتب البديع، والمؤرخ المتمكن، بلال محمود الطيب.
يتميز المؤرخ بلال الطيب في سرده للتاريخ بالجمع الأنيق بين القراءة الممتعة، والتحليل العميق، والسرد الزمني المترابط، وتماسك المادة التاريخية من حيث وحدة الموضوع، وحضور المعلومة، والإحاطة بجو النص، وملابسات الحدث، ومعطيات اللحظة الزمنية. كل ذلك بسرد شيق يأسر لب المتلقي، ويحقق الأهداف السامية لعلم التاريخ كمحفز قوي ومدهش للروح الوطنية الإيجابية، وباعث أصيل لروح النضال، وتنمية الوعي بالذات اليمنية الحضارية الأصيلة، والتراث الوطني الزاخر.
هذا البلال يملك لغة عميقة سهلة ومعبرة وآسرة، تندرج تحت قاعدة السهل الممتنع. هو في الحقيقة مدرسة متفردة في فهم وقراءة واستيعاب التاريخ، يربط الأحداث، ويقرأ الحاضر، ويستشرف المستقبل، هدفه واضح، وبوصلته ثابته نحو كرامة وعزة اليمن.
نتفق أو نختلف في القضايا السياسية، أو الرؤى الفلسفية والاجتماعية مع بلال الطيب، وتلك سنة الله عز وجل في خلق البشر، القائمة على الاختلاف والتنوع، إلا أنَّ بلال المؤرخ هو بحق عملاق المؤرخين الشباب.
هذا الفتى لم أتشرف باللقاء به، إلا أنني وأنا أقرأ كتاباته التاريخية أجد فيه عظمة اليمن، وتميز تعز الولادة. تلك الجغرافيا الأثيرة على قلوب كل أحرار الوطن، تدهشنا وهي تنجب العمالقة بسلاسة واقتدار في كل فنون الحياة، وكل مجالات النضال.
ينظم بلال بجدارة إلى عمالقة اليمن الآتين من درة مدائن الارض، وزهرة بلاد الدنيا، تعز الحرية والإبداع، صاحبة الأيقونات الوطنية، والرجال العظماء، الولادة للفضول، وأيوب، وعبدالرقيب، وبلال الطيب، وغيرهم كثير.
قراءة التاريخ بعقل هذا الفتى العملاق تجسد الحقيقة التاريخية بمحدداتها السياسية، والاجتماعية، والثقافية، وبمعطيات الزمان، ومدلولات المكان، فيعيش المتلقي في جو النص، وفي قلب الحدث، وفي سياق الواقع، وفق سردية سلسلة وجذابة ومترابطة، وبتحليل أكثر عمقا، وبفلسفة وطنية الرؤية، يمنية الانتماء.
يقدم بلال الطيب المادة التاريخ وفقا للمحددات الاتية: أولاً: الإيمان العميق بهذا الفن، والحب الصادق للتاريخ، كعلم وفن ومعرفة، وخلاصة للتجربة الإنسانية بكل أبعادها ومنظوراتها، وزوايا النظر والتعاطي معها، كموروث إنساني مشترك بين بني البشر.
ثانيا: يملك أدوات ومهارات عالية لتناول أحداث التاريخ، وفق منهجية علمية متميزة، في السرد وربط الأحداث، وجمع شتات الصورة، للوصول الى الصورة الكاملة.
ثالثا: يقدم التاريخ كحالة نضالية متصلة المنهج، والأهداف، والقيم، ضمن منظومة نضالية تاريخية تتسلم الاجيال فيها راية النضال الوطني، بمتوالية متكاملة الأدوات والأهداف، بروح وطنية خالصة.
رابعا: يعتمد هذا المؤرخ على مصادر علمية وتاريخية متعددة، كقارئ نهم، وفاحص دقيق الملاحظة، يملك عدسة دقيقة لتميز الأحداث، وإخراج اقرب الصور للحقيقة.
خامسا: يملك قلم شيق ومحترف في تقديم الحقيقة التاريخية، والحدث المواكب لها، بصورة أدبية رائعة، ومنطق بليغ، وكلمة معبرة، تشد القارئ، وتمتع السامع، وتقدم وجبة معرفية وأدبية بالغة الجمال، وغزيرة المعرفة.
سادسا: يقدم قراءة تحليلية للأحداث التاريخية، بترابط وعمق وإحاطة، وروح وطنية تستلهم قراءة الحدث بمعطياته وبيئته الزمانية والمكانية.
سابعا: متخصص متقن وكامل المعرفة بتاريخ الإمامة ومخاطرها، وكوارثها التدميرية على اليمن، وأجيالها، والجرائم الإنسانية والتاريخية على اليمن وحضارته وتراثه.
سابعا: يتناول أحداث الثورة اليمنية السبتمبرية الخالدة والأكتوبرية المجيدة بروح وطنية ورؤية تفصيلية عميقة، وفقا لواحدية الثورة النضالية، واتحاد الأهداف الوطنية، والمنهج الثوري الصحيح.
يخوض بلال معارك الوطن الفاصلة، ويناضل في سبيل القضية الوطنية، ويحارب عن اليمن في أحد أهم ميادين وساحات المعارك الأكثر تاثيرا في وعي وإدراك نخبة النضال، إنها معركة استدعاء التاريخ لتحقيق نصر الحاضر، وحماية المستقبل، وتحصين الوطن في واحدة من أهم وأقدس ميادينه، ومحددات انتمائه، وهويته، وإرثه الحضاري، ومكونات شخصيته الوطنية التاريخية.
تستحق كتابات بلال الطيب أنْ تُدرس في مؤسسات التعليم، ومناهج التنشئة السياسية والاجتماعية للأحزاب، والمنظمات، والمؤسسات، ويستشهد بها من على منابر الخطابة، ودروس الوعظ.
شخصيا أحسبني متابع ملتزم وقارئ جيد لمعظم المادة التاريخية التي سطرها هذا المبدع، ولا أملها في العادة عند إعادة القراءة أكثر من مرة.
أدين لهذا العملاق بتتلمذي علي إنتاجه الغزير في تاريخ الامامة تحديدا، والوقوف على مآسيها الرهيبة في حياة اليمنيين عبر تاريخها المظلم.
وكل مهتم بدراسة التاريخ اليمني، بموضوعية ومنهجية علمية، بقالب أدبي ومعرفي ناضج، سيلقى في إنتاج بلال الطيب بغيته، ويحقق إربه.
سلام الله على تعز الأرض والإنسان، والحرية والنضال، والفكر، والثقافة، والإبداع، وحفظ الله الوطن من كل سوء ومكروه، والعزة لليمن وشعبه المجيد.