البعض اليوم ووسط تحديات كارثية تنزل بالمنطقة العربية ، يحب الإنشغال بالحديث والموازنة بين الأنظمة الملكية والجمهورية في المنطقة ، وذهاب بعضهم إلى اعتبار الأنظمة الجمهورية كانت كارثية على دولها .
هذا البعض أولاً وللأسف ، يبحث عن وجبة جديدة من الخلافات لتأجيجها بين دول المنطقة ، وإشغالها عن لملمة حالها ، وهو أمر مريب.
ثم أن الأنظمة في دول المنطقة صارت مستقرة ، وأي تغيير فيها ، سيجلب على دولها المزيد من الصراع الداخلي والجُواري ، ولنا فيما يجري داخل إيران أكبر دليل ، بعد انهيار نظام الشاة الملكي.
ثم أن الأنظمة الملكية في المنطقة ، إكتسبت مشروعيتها من ظروف وقتية ، واستمرت الحال بعدها في تلك البلدان في استمرار مشروعيتها .
بينما اليوم الأنظمة الجمهورية في المنطقة ، تولدت من خلال ظروف وقتية ، ولم يعد الحال ممكناً بل مستحيلاً تحويل هذه الأنظمة إلى أنظمة ملكية ، وأكبر دليل على ذلك ، حالة الفوضى التي تحصل في البلدان الجمهورية ، حينما يحاول رأس النظام أن يحيل رئاسته نحو التوريث ، لأن طبيعة الدولة الجمهورية لم تعد قابلة لهذا اللون من الحكم.
البلد الوحيد في المنطقة العربية الذي لم يكن نظامه ملكياً ولاجمهورياً هو اليمن الشمالي قبل ثورة عام 1962، والذي لايماثله اليوم في الإقليم سوى نظام ملالي إيران ، الذي يسمي نفسه جمهورياً ، كما كان النظام في اليمن قبل عام 1962 ، يسمي نفسه ملكياً ، مع أن كلا النظامين اماميان يقومان على دعوى الحق الإلهي للحاكم وهو الإمام ، كما هو الحال اليوم في إيران ، الذي يعتبر الإمام خامئني بعد خميني هو رأس الدولة الحقيقي ، والذي يتمتع بسلطات تفويض إلهي ، يستمدها بالوكالة من الإمام الغائب ، "عجل الله فرجه" ، ولاتوجد صلاحية عملية لأحد أن يزيح هذا الإمام عن سلطانه إلّا عزرائيل عليه السلام ، أمّا من يسمونه في إيران اليوم برئيس الجمهورية ، فما هو إلّا مدير مكتب عند هذا الإمام المطلق الصلاحيات.
الفارق اليوم مع نظام ملالي إيران ، أنه ليس منكفئاً على نفسه داخل جغرافيته ، كما كان الحال في اليمن ، قبل ثورة 1962، بل يربك المنطقة العربية بميليشياته المتعددة في المنطقة العربية.
الأنظمة الجمهورية في بلدان المنطقة العربية ، صارت ضرورة أمنية للبلدان نفسها ،وكذا للمنطقة العربية ، بل أن الأنظمة الجمهورية في تلك البلدان هي الضمان الوحيد لبقاء الوحدة الجغرافية لتلك البلدان ، وبدون النظام الجمهوري ، سينقسم البلد الواحد إلى مشيخات عدة وسلطنات ، كما كان الحال في جنوب اليمن ، والذي لم يوحد أجزائها إلّا النظام الجمهوري بعد الإستقلال.