هناك إشكال حقيقي فيما يخص الوحدة بين الشمال والجنوب، وهو موجود ويتضخم منذ عام 1994، وله أسباب كثيرة، منها ما هو داخلي ومنها ما هو إقليمي ودولي. ويجب أن نعترف اليوم أن هناك جمهور كبير في المحافظات الجنوبية، يتوق للعودة إلى ماقبل مايو 1990، وخصوصًا بعد أن صار لهم حامل سياسي وعسكري قوي، هو المجلس الإنتقالي، وهو الذي يمثل حاليًا الطرف الأكثر قوة وتماسك في الجبهة المعارضة للمشروع الطائفي الإيراني في اليمن.
نعم المجلس الإنتقالي لا يُمثل كل أبناء الجنوب، إلا أن هذه جزئية تظل جنوبية جنوبية، ولا دخل للشمال فيها، ومع الأيام ستجد لها حلول سياسية مقبولة لهم.
يعلم الجميع أن هناك قيادات جنوبية يسعون من خلال اِدعاء الوحدوية إلى اِستهداف الإنتقالي، بأدوات الوحدة وبأصوات ووسائل إعلام شمالية، ولكننا نعلم جميعًا أن أهدافهم النهائية ليس من بينها الحرص على الوحدة وإنما وجدوا أنفسهم خارج أسوار السلطة، ويسعون للعودة اليها من أبواب الوحدة، ولو تهيأت لهم ظروف معينة، لكانوا قادة لمجلس جنوبي إنفصالي آخر، ولذا كانت الوحدة ومازالت رهينة للاِبتزاز من كثير من القيادات، وحدويها وانفصاليها.
نحن في الشمال نحتاج لاِسناد ودعم المجلس الانتقالي لاستعادةالدولة، ولذا فحاجتنا للجنوب وللقوة العسكرية والأمنية للمجلس الإنتقالي أكثر من حاجتهم لنا وللشمال، ولوحداته العسكرية؛ المتناثرة والضعيفة.
برأيي تظل المهمة المقدسة الأولى للمجلس الرئاسي هي اِستعادة العاصمة صنعاء وإعادة الجمهورية إلى مؤسسات الدولة فيها، أما عدن فهي مُحررة، وتُدار من قِبل أهلها، وهناك جيش جنوبي يحمي كل الجنوب. فالوجود المليشاوي في صنعاء يُعتبر مُهدد وجودي للشمال وللجنوب، ولأمن واستقرار دول المنطقة، أما دعوات الإنفصال فستظل خلافات سياسية داخلية، ومطالب مشروعة لأهل الجنوب، ويمكن أن تجد لها حلولًا مرضية للجميع، بعد عودة الدولة، والمجلس الانتقالي هو شريك مهم معنا اليوم، في رحلة اِستعادة الدولة، حتى وإن رفع علم دولة الجنوب، فيظل علم يمني، ورمزا لكثير من أبناء الجنوب، الذين هم شركائنا في تحقيق الوحدة بالأمس، وشركائنا في استعادة الدولة اليمنية اليوم.
ليست مهمة المجلس الرئاسي فتح جبهات صراع جديدة في عدن والمحافظات الجنوبية المحررة، من أجل رفع أعلام الوحدة على مباني في عدن، وليعلم رئيس الجمهورية ومعه أعضاء المجلس الرئاسي أنهم لم ولن يكونون مسئولون عن ضياع الوحدة إن تم الإنفصال (لا سمح الله)، فهم جاءوا على تركة كبيرة، وركام هائل من الصعوبات، أقلها المزاج الجنوبي المتصاعد بإتجاه عودة دولتهم. ولذا من الأهمية بمكان التركيز على رص الصفوف لاستعادة دولتنا وأمننا وسلامنا، وعدم الدخول في معارك هامشية، تؤثر على معركتنا المصيرية، ولنؤجل الخوض في مايتعلق بالوحدة إلى مابعد عودة الدولة، ولنقتنع نحن في الشمال أن بقاء الجنوب في الوحدة هي مسألة جنوبية خالصة.
تذكروا أن بقاء صنعاء مختطفة، يعني بقاء اليمن بكل ترابه حبيسًا لثقب أسود، من التخلف والتبعية الذليلة لإيران ومشروعها المميت، أما ذهاب الجنوب إلى الإنفصال (برغم أوجاعه وآلامه) يعني بقاء المحافظات الجنوبية بأيدي أهله، وبعيدًا عن خُبث الإمامة ونهبها وتُقيتها القميئة، وهناك أمل كبير بعودة الوحدة إن عادت صنعاء، ولكن برغبة أهل الجنوب، وليس بشعارات الوحدة أو الموت. أملي أن تبقى الوحدة، ولكن الواقع يطغى على الآمال. لنحترم قرارت وتطلعات أهلنا في عدن، ولنركز على إنقاذ أهلنا في صنعاء، ويكفي تضييعًا للفرص... فُرص دعم أشقائنا في الخليج، وضيافة واِسناد أهلنا في عدن.
