تابعت منذ الأربعاء الماضي ولازلت أخباراً متواترة ومن عدة مصادر عن قرب التوقيع على مبادئ بين الشرعية والحوثيين، أهمها صرف الرواتب وفتح المطارات والموانئ والطرقات (لست متأكداً هل ستفتح الطرق المؤدية لمدينة تعز أيضاً؟) بجانب هدنة لستة أشهر - يتم تشكيل لجنة حوار سياسي يضم الجميع للوصول إلى تسوية تُنهي الحرب.. إلخ.
كما تابعت تشديد وزير الدفاع السعودي أثناء لقائه برئيس وأعضاء مجلس القيادة الأربعاء الماضي على: (أهمية تغليب المصلحة الوطنية من جميع الأطراف اليمنية، من أجل تجديد الهدنة وتخفيف معاناة الشعب اليمني، وإطلاق عملية سياسية شاملة تضمن استعادة مؤسسات الدولة والأمن والاستقرار والتنمية في البلاد، وتحت إشراف (الأمم المتحدة) مما يضاعف ثقة أمثالي برغبة المملكة لإحلال السلام. وبكونها تعمل بكل ثقلها المادي والمعنوي وبديبلوماسيتها المعهودة لتحقيق هذا الجانب، إضافة إلى وجود حراك إقليمي وعربي ودولي لإنجاح السلام المنشود باليمن.
ثم تأكيد رئيس وأعضاء مجلس القيادة والحكومة الشرعية على إحياء السلام القائم على المرجعيات المتفق عليها وطنياً وإقليمياً ودولياً - وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.. الخ.. وهو خيار يستحيل تجاوزه تحت أي ظرفٍ كان وأياً كانت التنازلات الأخرى.. ولكونه يتوافق أيضاً مع فحوى ما طرحه وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان - كما قد أشرت إلى ذلك آنفاً..
وكما قرأت مؤخرا عن اطلاع مجلس القيادة على خريطة سلام قبل فترة.. والتي عمل عليها بعض التعديلات والملاحظات.. بجانب اطلاع الحوثيين عليها أيضاً.. الخ.
إن ما أود التأكيد عليه هنا ـ وكأي مواطن يمني غيور على وطنه.. رغم الابتلاء الذي عانيته مع بعض أبنائي في سجون الحوثيين، هو تطلعي لتحقيق السلام شأني بذلك.. شأن غالبية الشعب اليمني الذي عانى ولا يزال يعاني من حرب مدمرة منذ تسع سنوات، والتي بسبب استمرارها ظللنا ولا زلنا نرى في غالبية الأيام دماءً تهدر وأجساداً تتناثر، ومنازل تُنتهك، ومؤسسات وشركات وبنوك ومتاجر تُقتحم.. حرب فرقت بين الأب وابنه وبين الجار وجاره، ترملت بها نساء وتيتم أطفال وغاب آباء وأبناء وأقارب وأصدقاء في السجون وفي غيرها.. حرب أوجدت شرخاً اجتماعياً غير مسبوق.. نشرت الأحقاد والكراهية، وولّدت الثارات والشكوك بين أبناء الوطن اليمني الواحد ـ كما أنهت مبادئ وقيم البعض، خاصة ممن غيرتهم الحرب فجأة، فحركت فيهم المذهبية والعصبية والمناطقية والفئوية.. وليكتشف بعضهم عبر الأسرية والتعبئة والتنظيرات الوهمية أنهم خُلقوا مميزين عمن عداهم، ليتنكروا لجيرانهم ولزملائهم وأصدقائهم ممن ليسوا منهم؟!! حرب أوجدت انقسامات على مستوى الأسرة والخاص والعام بل وعلى مستوى الوطن كل الوطن!
إضافة إلى انتشار الخوف والقلق والوجل من المجهول مع انتشار فقر مدقع بجانب غنى فاحـش.. فبات معظم اليمنيين ينشدون أبسط الضروريات الممكنة، حتى بلغت القلوب الحناجر!
مع أن ما يميز المجتمع اليمني عما عداه رغم كل هذه المصائب والمحن هو التحمل اللامحدود والتي إن أصيب بجزء يسير منها مجتمع آخر لأصبح أثراً بعد عين؟!!.
إضافة إلى استمرار بقاء بعض أهم الأخلاق والقيم والتمسك بالعقيدة وبالعادات الحميدة لدى غالبية أبناء المجتمع اليمني خاصة ممن لم تلوثهم الحرب، وهي الصفات التي وراء استمرار وجود بعض الأمن وبعض التكافل والرحمة بين الجميع.
لذلك.. فإن التطلع إلى السلام هو رغبتي كما هي رغبة غالبية أبناء الشعب اليمني هنا وهناك.. باستثناء فئة قليلة لا تتجاوز 5 % من أبناء الشعب اليمني على أكثر تقدير والتي تكره السلام، كما يكره 95٪ من اليمنيين الحرب وتلك هي جماعة الحوثيين وبعض المتحوثين.. وما ذلك إلا لأن استمرار الحرب بالنسبة لهم يعد من أهم أسباب بقائهم.. أو هكذا يعتقد كبراؤهم! وأود التذكير هنا بمقالة لي بعنوان (لماذا لا يجنح الحوثيون للسلام) نشرت ببعض المواقع المحلية والخارجية ومنها موقع (يمن شباب نت وغيره) في 3 إبريل الماضي.. ذكرت فيها ثمانية أسباب وراء عدم رغبة (أنصار أنفسهم!) للسلام.. فقط من باب التذكير فحسب.
إن تلك المبادئ أو خريطة الطريق المعنية بالسلام بين الشرعية والحوثيين - موضوع هذه (الدردشة) - التي باتت تحظى بدعم إقليمي ودولي حسب علمي!! والتي قبلتها (الشرعية خاصة وأنها معنية بكل اليمنيين دون استثناء.. لا أستبعد قيام الحوثيين بالتوقيع عليها حينما يأتي أوان التوقيع والشهود.. خاصة إن وجدوا ضغوط قوية (عمانية) بالدرجة الأولى.. إضافة إلى تخوف بعض القيادات الحوثية من دعوات بعض أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكي لإعادة تصنيفهم (جماعة إرهابية) وتلك قد تكون عاملاً مساعداً أيضا في حملهم على الموافقة المبدئية والتوقيع.. الخ.
ولكن.. رغم توقيعهم بحضور بعض العرب والعجم - إن حدث - إلا أنهم بعد التوقيع بفتره زمنية قد تطول أو تقصر.. سوف يعيدون النظر ببعض التنازلات أو سيبدؤون بخلق الأعذار والأسباب أو المسببات الوهمية أو المماطلة كعادتهم دوماً.. أو قد يأتي عذر جديد ممثلاً بانشغالهم بإطلاق صواريخهم الوهمية على إسرائيل.. وكما يزعم بعض (الكتبة) التابعين لهم عن قيام المملكة بتقديم مغريات استثنائية بما فيها السلام مقابل توقفهم عن ضرب اسرائيل.. وهو ما قاله أيضاً العربي سابقاً (الشيعي حاليا) عبدالباري عطوان لكن الحوثيين رفضوا حسب تعبيرهم؟!.. مع أن خريطة السلام موضوع هذه الأحرف قد صيغت منذ أشهر وليست وليدة أيام قليلة مضت.. وقد توجد بعض قيادات حوثية راغبة بالسلام لكن وجودها مجرد تزیين أو بمثابة (ديكور) للقيادات الأساسية.. وفي نفس الوقت لا أستبعد شخصياً وجود قيادات عسكرية وغيرها من (الشرعية) لا ترغب هي الأخرى بالسلام ولأسباب قد تكون شخصية أو غيرها!.. لكنها غير قادرة على التأثير على القيادات العليا، عكس الحوثيين تماماً!! مع أن تذكيري على عدم رغبة الحوثيين بالسلام هنا، إنما یرتكز على تجارب مریرة معهم منذ أيام مخرجات الحوار الوطني، بل وما قبله ولأسباب عديدة ليس هنا مكان سردها بهذا الموجز..
ثم وهو الأهم.. لأن قرار (الحوثيين) أولا وأخيراً هو بيد (إیران) والتي رغم إظهارها التطلع للسلام والتوافق مع بعض الجهات الإقليمية بهذا الشأن.. إلا أنه يصعب عليها إن لم يستحيل التخلي عن حصاد تسع سنوات حققها لها الحوثيون في اليمن.. والتي تَعتبِر ذلك بمثابة البداية لتحقيق طموحات لها لما هو أبعد من صنعاء والحليم تكفيه الإشارة؟!
إنني أرجو وأتطلع أن أكون مخطئاً بما قلته عن عدم جنوح الحوثيين للسلام.. وأن يقبلوا تحدي المشككين أمثالي فيتجهون للسلام برغبة صادقة دون أي تردد حقناً للدماء وحفاظاً على بعض ما قد يكسبوه.. من خلال السلام فقط؟! فالأمل بذلك سيظل دیدننا دوماً - ولسان الحال يردد: -
« أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل »
ولكن.. هذا الأمل قد لا ينسيني أن أتساءل هنا بكل براءة.. إذن.. ماذا لو رفض الحوثيون الجنوح للسلام؟ وهو الذي يرجحه أمثالي نظراً لما قد أوردته آنفاً! مكرراً التطلع إلى أن أكون مخطئاً بهذا التقدير؟!.. كما أن التساؤل السابق يدفعني لتساؤل أهم.. وهو.. عن كيفية تصرف الشقيقة الكبرى.. التي تتطلع إلى الخروج من هذا الملف الشائك.. بعد أن تتأكد كل التأكيد من مواقف الحوثيين ضد السلام.. بجانب تأكيد كل الدول الحليفة والصديقة والمبعوثَين الأممي والأمريكي وغيرهم.. رغم حجم التنازلات التي قُدمت لهم؟ لا يملك أمثالي الرد على هذا؟.. وإن كنتُ لا أخال المملكة بما تمثل من قيم وأصالة ومكان ومكانة أن تغض النظر عن ذلك رغم عملها الدؤوب والنشط من أجل السلام فـ.. (للصبر حدود)؟!.
أما (الشرعية) التي ظلت ولا تزال تقدم التنازلات وتقدر مواقف بعض الدول الشقيقة والصديقة وغيرها من أجل تحقيق السلام كونها معنيه بكل اليمنيين... فإن عليها بعد ظهور حقيقة الحوثيين بصورة جلية بكونهم ضد السلام - رغم تنازلاتها المستمرة لها - عليها مطالبة تلك الدول الشقيقة والصديقة الوقوف معها قلبا وقالباً وإعطائها الضوء الأخضر لتحرير اليمن كل اليمن من هؤلاء القادمين من وحل الجهل والغباء.. والذين لا يستطيعون أن يروا أبعد من أنوفهم وذواتهم؟؟ مع التزام تلك الدول المعنية بفترة زمنية قصيرة دون تسويف ولا مماطلة - ثم وهو الأهم.. التزام بعض الدول بعدم تكرار ظهور (فرامل) أو اجتهادات، كما حدث من بعضها عدة مرات؟!.
ثم.. لیكن تمسك الشرعية دوماً.. مضمون قول المتنبي: -
« حتى رجعت وأقلامي قوائل لي
المجد للسيف ليس المجد للقلمِ
من اقتضى بسوى الهندي حاجته
أجاب كل سؤال عن هلٍ بلَمِ»
مالم.. فإن الشعب قادر بعون الله تحقيق البدائل.. والله غالب على أمره.
*. نقلا عن موقع المصدر أونلاين.