القبيلة اليمنية ، أو لنقل القبائل اليمنية ، هي التنظيم الإجتماعي والسياسي الطبعي للشعب اليمني .
وكأي شعب ، فهناك فيه الصالح والطالح ، جماعة أو أفرادا ، ولايمكن تعميم سلبيات البعض على الكل ، وكما أن أي شعب يحتاج إلى بث الوعي في أوساطه ، فكذلك القبيلة الشعب .
في اليمن والجزيرة العربية عموما ، من لاقبيلة له فهو دخيل على المجتمع ، بل أن القبيلة اليمنية ، وصلت ثقافتها المدنية ، إلى قبول الوافد إليها من القبائل الأخرى ، أو حتى من خارج الجغرافيا اليمنية .
تنظيم القبيلة اليمنية ، هو الذي يمثل الدولة اليمنية المصغّرة ، والتي تندمج مع مكونات القبل المتعددة ، لتكوّن الدولة اليمنية الكبرى ، في تجربة حضارية يمنية فريدة ، في الجزيرة العربية ، منذ عمق التأريخ اليمني القديم ، ليشكل مجموع القبائل اليمنية ، الدولة اليمنية الكبرى*، التي عرفها التأريخ اليمني القديم ، بحضارتها وتأثيرها الإقليمي والدولي في العالم القديم .
في اليمن أستطاع الشعب القبيلة والدولة الصغرى ، أن يكون الإحتياطي الرافد ، الذي يخفف كوارث غياب الدولة الكبرى الجامعة لكل الجغرافيا اليمنية ، في معادلة متوازنة ، فإذا ضعفت الدولة اليمنية الكبرى الجامعة لمجموع الجغرافيا اليمنية ، برزت دولة القبيلة المخفِّفة من سلبيات غياب الدولة الجامعة ، وإذا وجدت الدولة الجامعة ، خف دور الدولة الصغرى القبيلة .
من لايفطن لهذه المعادلة ، يفقد البوصلة في فهم اليمن ، مجتمعاً وثقافة وحراكاً ، ويغرد خارج السرب ، بل سيحكم على نفسه بالفشل والخروج عن منظومة التفاعلية اليمنية ، لتنتهي فاعليته.
اليسار اليمني وللأسف ، عبر تأريخ اليمن المعاصر ، غرّد كثيراً خارج سرب هذه الثقافة اليمنية المجتمعية ، فوقع في "مطبات" كارثية ، ولعل طوفان يناير في عدن بين الرفاق في 13 يناير من عام 1986، كان أبرز تلك التجليات المأساوية .
إمامة الكهنوت السّلالي الوافد من خارج الجغرافيا اليمنية ، عبر تأريخها ، حاولت أن تجند القبيلة اليمنية في مشروعها ، في عملية مزدوجة أيضاً ، لضرب القبيلة اليمنية ببعضها ، ولعل أوضح تصريح لهذا المنهجية المدمرة للنسيج اليمني ، ماعبّر عنه الكهنوتي الإمام أحمد بن سليمان**، شعراً بقوله ؛
فلأضربن قبيلة بقبيلة
ولأجعلن ديارهن نواحا
ولكن هذه السياسة الإمامية ، والمستمرة ، لم تفلح في احتواء مجموع القبيلة اليمنية ، وإلّا لما احتاجت الإمامة أن تضرب القبيلة بالقبيلة ، ولما انتجت القبيلة اليمنية ، عبر تأريخها الطويل ، من يزلزل وجود الإمامة الكهنوتية على الجغرافيا اليمنية ، حتى في داخل مكونها المذهبي ، ولعل النموذج القبلي "المُطَرَّفِي" الهادوي ، المبكر منذ القرن الخامس الهجري ومايليه ، أبرز مثال على دور القبيلة اليمنية حتى في إطار المكون المذهبي ، على الوقوف ضد منهجية طمس الهُويّة اليمنية ، تلى ذلك النموذج المبكر المُطَرَّفي ، نماذج متعددة ، برزت في تأريخنا المعاصر بالحركة الوطنية اليمنية ، المنبثقة في مجملها من وسط القبيلة اليمنية ، والتي تتوجت تلك الحركة الوطنية بثورة السادس والعشرين من سبتمر عام 1962 ، والتي مثلت القبيلة اليمنية ومشتقاتها الوطنية الرافد النضالي لتلك الثورة وحمايتها.
تنظيم القبيلة اليمنية ، إستطاع عبر تأريخ طويل ، ومن خلال تضحيات متعددة الأحجام والألوان ، أن يمنع ظهور الحاكم الدكتاتور ، وإن ظهر الدكتاتور فالقبيلة تتكفل بوضع نهاية له ، ولعل حركات النضال اليمني المنبثقة من وسط القبيلة اليمنية ، ضد إمامة الكهنوت عبر تأريخ اليمن المعاصر ، اكبر دليل على دور القبيلة اليمنية ، في منع ظهور أو استمرار الحاكم الدكتاتور.
بلغة أخرى ، تنظيم القبيلة اليمنية هو صمام الأمان ، للحفاظ على مدنية اليمني وحياته ودولته.
وهنا يحضرني ، تصريح قديم للراحل الرئيس علي عبدالله صالح ، عندما تحدّث في أكثر من مناسبة ، بأن الطبيعة اليمنية ، لاتسمح للحاكم أن يتحول إلى دكتاتور ، وهي نظرة لاشك عميقة ، تنم عن فهم لطبيعة مجتمع كان هو على رأس الحكم فيه.
وختاماً ؛
ينبغي التوكيد ، أن نموذج تنظيم القبيلة اليمنية ، هو نموذج مدني راقٍ ، يحكمه "قانون" الأعراف القبلية غير المكتوب ، والذي يذكرني بالقانون الأكبر البريطاني غير المكتوب "الماقناكارتا Magna Carta" ، والذي يمثل دستور بريطانيا لقرون طويلة من الزمن وحتى اليوم ، وإن كان ماقناكارتا اليماني هو الأقدم ولاشك.
—————
*لعل مجلس المثامنة في تأريخ اليمن القديم ، والذي يمثل نموذج القبل اليمنية المندمجة في مجلس حكم واحد يرأسه بشكل دوري أحدهم ، دليل ثقافة الدولة الكبرى المبكر في تأريخنا اليمني.
**يخطيء البعض عندما ينسب هذا البيت وقصيدته ، إلى الإمام عبدالله بن حمزة.