نحن اليمانين جُبلنا على أنَّ كرامتنا فوق كل شيء، وإنْ كانت هذه الكرامة قد رضخت، وبعثر بهيبتها فوق التراب؛ بفعل جبروت الطغاة من بيت حميد الدين، وأسلافهم، الذين استغلوا جهل الشعب المُشبع بالثقافة الدينية البسيطة، وأوهموهم أنَّهم يحكمون بأمر الله، وأنَّ طاعتهم والرضوخ لاستبدادهم من طاعة الله، وفق تبريرات خادعة، كانت أساس سلطتهم، ومصدر قوتهم، وقوة من أتوا بعدهم، وما يزال - للأسف الشديد - لتلك المأساة الخادعة والمُتجددة مُتسع وبقية.
كانت تصرفات عساكر الإمام (العُكفة) تُثير الرعب والخوف والغضب عند كثيرين، وكان الصبر على أذاهم سمة دائمة تدور في بوتقة طاعة الله، وطاعة ولي الأمر، وفي حال تجاوزت تلك التصرفات الرعناء ما لا يستسيغه العُرف، ولا التدين العفوي البسيط، كان التَمرد والثورة. ما حَدث في صَنِمَات، وهي إحدى عُزل ناحية المِسراخ التابعة لجبل صبر الأشم، في مُنتصف مايو من العام 1920م، من انتفاضة أو تَمرد، تدور في ذات المسار الذي أشرنا إليه آنفًا، ومبعثها تصرفات رعناء قام بها حوالي 50 فردًا من عساكر الإمام يحيى، أرسلهم عامل صبر حسين بن محمد جبالة لجمع واجبات الجبل، إلا أنَّ أولئك العسكر خرجوا عن السياق المعهود للمأموريات، إلى سلوكيات أكثر شذوذًا، نفد عندها الصبر، وتوقفت الطاعة، وثارت الكرامة.
الشاعر الشعبي مُكرد البدوي، نسبة لخدير البدو، والذي حل حينها ضيفًا في عُزلة النجادة المُجاورة، ولمدة شهرين، تسنت له مُعايشة معظم تلك الأحداث عن قُرب، ونقل تفاصيلها بقصيدة طويلة، ولأنَّ تناقل تلك القصيدة تم شفاهة، ولم تحظ بالتدوين الجيد، فقد فقدت بعض أبياتها، وحُرفت بعض كلماتها، واختل وزنها، وهي على ركتها لا تخلوا من معلومات مهمة، سننثر أبرزها في السطور التالية. اختزل الشاعر مُكرد لحظات الهجوم الإمامي الأول، الذي تولى قيادته القائد ابن سويدان بقوله:
مـــن بعـــد هــذا جــانـا هــاجس دفر من بر سيحون ويغــــرف من الجوهر وقـم يا فتـى وخـذ القـــلـم واشـــعر واذكر صُنــامة حيــث الــذخـائر تندي
جُـــمـــلـة فـــي صُــنــــامــــة تُــكــسر مــــــن بعــد مــا بدي هـــذا الأعـــــــور طَلَّـــــــــع مــدافـع ونـــظام وعســـكر قــائدهم بن سويدان يحيى علي مهدي
اعتنى الشاعر مُكرد بتخليد بطولات ثوار صَنِمَات، ووصف تنكيلهم لعساكر الإمامة بصورة مُبالغ فيها، وشنع على الأخيرين وأميرهم علي الوزير الذي نعته بـ (الأعور)، وتحدث عن مصرع قائد هجومهم الأول (ابن سويدان)، الذي أغفل مؤرخو الإمامة ذكره، وعدد ضحاياهم بـ 90 قتيلًا، غير الجرحى، في حين تجاوز عدد ضحايا الطرف المُقاوم الخمسة شهداء، ومن قصيدته الطويلة اقتطفنا أيضًا: وعنــد الــوصـــول يـــا صاح تـــــفـــــــكر كم يــا مَقـــاتــــيـــل راحــــت من العسكر ومــــن الــرعيـــة خـــــمســة نفــــر وأكثر واختلــط الجيــش في المـــــواقع الفردي
هــــــــذي اللـــحــود وجملـــوهم جُمـــلة عنـــد الفرش ورصفــوهـم جـَــــمـــعـــــة الله أكــبــــر مـــا هـذه الـــوقــــــــعــــــة تسعيــــن نـــقيـب قـــد صاروا في اللحد
* فقرات من دراسة مطولة عن انتفاضة صنمات مايو 1920م، تجدون تفاصيلها عبر هذا الرابط:
https://hekmahyemanya.com/?p=13568