القضية اليمنية كانت حاضرة في مُؤتمر القمة العربية الذي عُقد في 29 أغسطسقصة صورة.. قصة لجنة من العام 1967م - بعد نكسة حزيران - بالخرطوم، واستمر لثلاثة أيام، وكان من قراراته تشكيل لجنة سلام ثلاثية من السودان، والعراق، والمغرب، تُشرف على وقف الإمدادات السعودية للإماميين، وعلى انسحاب القوات المصرية المُساندة للجمهوريين، وإجراء استفتاء شعبي يُقرر فيه اليمنيون النظام الذي يرتضونه، تُشكل على إثره حكومة ذات قاعدة عريضة، ومن جميع الأطراف.
وقد تشكلت تلك اللجنة من كلٍ من: محمد أحمد محجوب، رئيس وزراء السودان، ووزير خارجيتها، وإسماعيل خير الله، وزير خارجية العراق، وهي الدولة التي اختارتها مصر، وأحمد العراقي، وزير خارجية المغرب، وهي الدولة التي اختارتها السعودية. لم يكن الإماميون والجمهوريون راضون على تلك الاتفاقية، ففي 8 سبتمبر من ذات العام أعلن من بيروت رئيس وزراء الإماميين الأمير الحسن بن يحيى حميد الدين بأنهَّم لا يعتبرون أنفسهم طرفًا في تلك الاتفاقية، حتى ينسحب المصريون من الأراضي اليمنية. وفي الداخل اليمني، وفي ذات اليوم، أعلن الرئيس عبدالله السلال بأنَّه لن يلتزم بها؛ لأنَّه يعتبرها مثل اتفاقية جدة السابق فشلها (أغسطس 1965م)، وذكر عبدالرحمن البيضاني أنَّ الرئيس السلال اعترض على تلك الاتفاقية مُبكرًا، وذلك أثناء إقرارها في ذلك المُؤتمر، وأنَّ الزعيم جمال عبدالناصر عاتبه بعد انسحابه من ذلك الاجتماع قائلًا: «لست على استعداد لأنْ استمر في هذه المأساة أكثر من ذلك». مَوقف الرئيس السلال أحدث شرخًا في العلاقات اليمنية - المصرية، زاد اتساعه أكثر حين رفض مجيئ لجنة السلام الثلاثية؛ وقيامه بتحريض الشارع عليها، وذلك بمُجرد وصولها إلى صنعاء بطائرة وحماية مصرية 3 أكتوبر 1967م، وقيل أيضًا غير ذلك. وما هو مُؤكد أنَّ الجماهير اليمنية خرجت غاضبة بمظاهرة عَارمة نظمتها قوى اليسار الجمهوري. خرجت المسيرة من أمام المستشفى الجمهوري، لتتعرض لحظة وصولها إلى مقر القيادة المصرية لإطلاق نار؛ ما أدى إلى سُقوط مجموعة من المتظاهرين بين قتيل وجريح، استغلت قوى إمامية مُندسة تلك الحادثة، وتطور الأمر إلى اشتباكات بين قوات مصرية وقوات يمنية، قتل فيها حوالي 30 جنديًا مصريًا، وقيل أكثر من ذلك. عادت اللجنة الثلاثية في اليوم التالي أدراجها، واكتفت بالمُراقبة عن بُعد، ووصل من استهزاء رئيسها محمد محجوب أنْ خاطب رئيس الوزراء محسن العيني بالقول: «هل أنا رئيس وزراء السودان أم اليمن، وإني لا أتساءل ما هي هذه اليمن، وماذا تساوي؟!».
كانت قد بدأت قبل ذلك الاستعدادات الشعبية للدفاع عن العاصمة صنعاء، حيث تداعت القوى والشخصيات السياسية - من مدنيين وعسكريين - إلى عقد اجتماعات متوالية في فندق قصر البشائر، واستمرت لعدة أيام، وكان جدول أعمالها يتكون من عدة نقاط، تندرج تحت عنوان عريض يتلخص في ضرورة الاستعداد للدفاع عن الثورة من هجوم عدائي مُتوقع، آخذين في الاعتبار أنَّهم سوف يقاتلون هذه المرة بمفردهم. وقد تجلت الترجمة العملية لتلك الاجتماعات في مواقف عملية ملموسة مُشتركة، كان أبرزها المظاهرة السابق ذكرها، وبرغم الحوادث المؤسفة التي رافقتها، وبرغم أنَّها ساهمت في الواقع في إضعاف موقف الرئيس لسلال، ومهدت للانقلاب عليه، فقد كانت - كما أفاد جار الله عُمر - عملًا جماهيريًا لم يسبق له مثيل في تاريخ العاصمة؛ فهي لم تُرغم لجنة التدخل العربية على مُغادرة صنعاء خائبة وتحت حراسة مُشددة فحسب؛ بل كانت قبل كل شيء بروفة للصمود والمقاومة، ومُؤشرًا حقيقيًا إلى أنَّ الانتصار في تلك المعركة المصيرية سيكون من صنع الشعب بأسره.
الصورة المرفقة لمقدمة حديث اللواء عبدالله جزيلان نائب رئيس الجمهورية حينها لصحيفة (الأنوار) اللبنانية، الصادر يوم 3 سبتمبر 1967م، الذي حدد فيه الموقف الرسمي الرافض للجنة الثلاثية..