بلا شك كان الاقدام على تشكيل المجلس الرئاسي خطوة مهمة تجتمع من خلالها الكيانات السياسية والعسكرية المتنافسة على حيازة القرار في الدولة للعمل ضمن هيكل مؤسسي ضامن لمصالح الجميع وفق توافقات تتيح عملية بناء الدولة وفق الخيار التشاركي في الادارة والنفوذ.
مع مضي ما يقارب الثلاث السنوات من قيام المجلس الرئاسي انكشف لجميع القوى الداخله ضمن المجلس والاحزاب والتيارات التي يمثلها اعضائه حجم التهالك في قوام الدولة والعجز الذي يمنع قيادتها من اتخاذ القرارات السليمة ليس فقط فيما يخص ملف الحرب مع الحوثيين بل واجهة الدولة مخاطر تهديد الدولة من الداخل بما فيها سلطات اعضاء المجلس انفسهم وتوجهاتهم السياسية .
لم تكن الدولة التي تم استلامها تركة الرئيس السابق عبدربه منصور هادي هي صنيعة هذا الرجل فالحالة المرضية للدولة سبقتها عقود طويلة من الأعياء والشطط الذي أسهم الجميع فيه.
كان لا بد من الخروج بصيغة توافقية تجمع شتات القرار والقوة والنفوذ والسلطة في منظومة واحدة تحكم لا تتحكم وتخرج للجمهور الذي يعتبر نفسه شعب واحد بقرارات واعمال تضمن مصالحه كدولة لا كسلطات أمر واقع.
ان النظر بالتركيب الهيكلي للدولة اليوم يقودنا للحديث عن ماهية هذه الدولة وكيفية إدارتها؟
فأما ان تكون دولة تمثل نفسها وترعى مصالح قيادتها تحكم بواقع مرحلي شكلته احداث خاصة تسعى إلى جني اكبر قدر من المنفعة المستغلة التي تؤمن قيادتها والاحزاب التي يمثلونها لتقوية سلطتهم الخاصة في اماكن ومناطق نفوذهم وهذه ثقافة مليشاوية فعليه لا تمت الى الدولة بصلة.
وأما ان تكون دولة تمثل شعب فرضت عليه حرب كارثية ومعاناة اقتصادية ومالا يتناهى من الازمات التي تعمق شعوره بأنه شعب بلا دولة. ان مجرد التزام الدولة بشعورها وانتمائها للشعب يفرض عليها سلوك مغاير لسلوك حكومات الامر الواقع الذي يحررها من اي التزامات تجاه من تحكمه. نعرف ان تحديات الحرب كبيرة جدا وان الاقدام على تحرير صنعاء سيضل مشروع بعيد مالم تتحرر الدولة من القيود الداخلية المحيطة بها واعادة بناء نفسها عبر مؤسسات فاعلة تتحد في قرار تفعيلها جميع القوى المنضوية ضمن المجلس الرئاسي الحاكم الذي يضم في تشكيلته جميع الأطراف ولا يحق لاي طرف من الاحزاب والتيارات السياسية ان يدعي انه غير ممثل فيه او في الحكومة ومجلس الوزراء فالكل في اليمن سلطة ولا وجود لقوى معارضة فعلية خارج هذه السلطة.
ولذا يبرز امام هذه القوى تحدي العمل بما يضمن مصالح الدولة التي انخرطوا في حكمها والعمل لمصالح الشعب او ان ينسحب اي حزب او تيار يشارك في المجلس عبر ممثليه او عبر الحكومة من مشاركته كي تتحقق له صفة المعارضة .
لم يعد من المقبول ان تضع الأحزاب رجل لها في السلطة واخرى في المعارضة وان تستغل صفتها كمعارضة لارباك اداء الحكومة الذي هي جزء منه وهذه معضلتنا في اليمن من ٢٠١١ وحتى اليوم لا الدولة قامت بواجباتها كدولة ولا المعارضة فقهت ادبيات المعارضة وتركت الحكم لأهله.
من المؤكد ان هذه الحالة في ازدواجية التمثيل والخلط بين السلطة والمعارضة هي اساس اشكالية الدولة ومن يحكمها ومتى ما تم ادراك جميع القوى التي تحكم بأنها تمثل احزاب وكيانات سياسيه لها التزامات واستحقاقات شعبية نكون قد خرجنا من عنق الزجاجة نحو المشاركة الفاعلة والقضاء على حالة الشتات والضعف الذي تعاني منه الدولة من الداخل والذي تمكن من خلاله النافذين فيها الى تشكيل شبكات فساد وافساد للمال العام تجاوز حدود المعقول ليصب في خزائن من يحسبون انهم أمناء على مؤسسات الدولة.
لذا كان لابد من ان يكون موضوع الحد من الفساد في الدوائر الحكومية ومحاسبة المفسدين هو قرار الدولة وتوجهها الفعلي نحو إصلاح الدولة من الداخل وقد ادركت القيادة السياسية مؤخرا اهمية مكافحة الفساد وتفعيل قانون المحاسبة المالية على كل من تورط في اعمال نهب اموال الشعب والمساومة بمصالحه كمشروع أولي يسبق قرار استعادة الارض من ايدي الانقلابيين لان استعادة حقوق الشعب وامواله المنهوبة ووقف العبث فيها مقدمة عن اي اجراء اخر فبمعية المفسدين لن تتحرر لنا ارض ولا إرادة.