الجمعة ، 29 مارس 2024
خليجي

"حمد" قصة شاب من أفراد مجتمع البدون في الكويت "بلا جنسية" أشعل النار في نفسه

عندما أضرم حمد، البالغ من العمر 27 عاماً، النار في نفسه في الكويت في ديسمبر/كانون الأول، تسبب الأمر بصدمة في شتى أنحاء البلد.

فالدولة الخليجية الصغيرة الغنية بالنفط لا تبدو مسرحا للظروف البائسة التي قد تدفع شخصاً ما للقيام بمثل هذا العمل القاسي. لكن حمد أحد أفراد البدون في الكويت.

والمقصود بـ"البدون" أولئك الذين لا يحملون جنسية. وبالنسبة لأفراد مجتمع البدون، يعني هذا مواجهة صعوبات في إطار محيطهم الاجتماعي الأوسع، وهو ما يعني مسارات أكثر صعوبة في مجالات التعليم والرعاية الطبية والتوظيف. وبالنسبة لحمد وعائلته، يعني هذا الحياة بلا أمل.

"ضاق كل شيء عليه"

تبعد الصليبية 17 كيلومتراً عن مدينة الكويت، عاصمة البلاد. وشتان الفارق بينها وبين مراكز التسوق الراقية والمباني الزجاجية الشاهقة في العاصمة.

يعيش عمر هناك مع والديه وإخوته العشرة وعائلاتهم، في منزل متواضع مكون من خمس غرف في مشروع سكني متهالك يسكنه كثيرون من البدون.

الشاب البالغ من العمر 33 عاماً مقرب من أخيه الأصغر حمد.

ويقول عمر: "إنه ألطف شخص على وجه الأرض، ويتسم بالبراءة، ودائم الابتسام".

لكن منذ حوالي عام، أصبح الشاب منطوياً، يحبس نفسه في غرفته، ويرفض محاولات إخوته لإخراجه من المنزل.

يعرب عمر عن شعوره بألم أخيه، قائلا: "ضاق كل شيء عليه".

تعود قضية البدون في الكويت إلى عام 1961، عندما لم تتقدم بعض العائلات التي تعيش داخل حدود الدولة بطلب للحصول على الجنسية بعد الاستقلال عن بريطانيا.

كما يوجد في دول عربية أخرى بمنطقة الخليج، مثل السعودية والإمارات، سكان لا يحملون جنسية، ينحدر غالبيتهم من قبائل بدوية كانت تعيش في المنطقة، لكنهم لم يتقدموا بطلب للحصول على الجنسية عند تشكيل الدولة الحديثة.

وفي أنحاء أخرى من المنطقة، أصبح البعض بلا جنسية بعد أن جردتهم الحكومة من جنسيتهم، كما هو الحال في البحرين التي سحبت جنسية عدد من المعارضين.

ولا تزال القضية معقدة بالنسبة للحكومة الكويتية التي تصنف البدون على أنهم "مقيمون بشكل غير قانوني".

وتقول الحكومة الكويتية إن 34 ألفا فقط من بين أكثر من 100 ألف شخص بدون جنسية في البلد مؤهلون للتقدم بطلب للحصول على الجنسية، وإنّ البقية من مواطني دول أخرى أو أحفادهم.

كفاح يومي

بعد أن أنهى حمد دراسته الابتدائية، لم يتمكن من التسجيل في مدرسة ثانوية لأنه من البدون. وعجزت عائلته عن تأمين تعليم خاص له.

حمد وهو طفل

التعليق على الصورة،

انتماء حمد إلى مجتمع البدون كان يعني أن يترك التعليم في سن مبكرة

نشأ حمد وهو يشاهد والده وإخوته يكسبون قوتهم على نحو غير ثابت من شراء وبيع السيارات؛ إذ كانوا يبيعون سيارة في شهر ويكافحون للعيش أربعة أشهر أخرى.

بدا حمد وكأنه قرر أن هذه ليست الحياة التي يريدها. يقول شقيقه إن حلمه كان الالتحاق بالجيش.

لكن في مواجهة الفرص المحدودة، بذل ما في وسعه للحصول على دخل، فبدأ ببيع البطيخ في الشارع إلى أن قبضت عليه شرطة البلدية المحلية.

ثمّ حاول تربية وبيع الحمام الذي كان يشتري الواحدة منه بنصف دينار كويتي (1.65 دولار)، لكنه تخلى عن الأمر عندما وجد نفسه يخسر في البيع.

بعد أن أكمل حمد عقوبة بالسجن ثمانية أشهر لسرقة خروف لبيعه، تمكن شقيق آخر له، يدعى جاسم، من استخراج وثيقة سفر له، واصطحبه في رحلة إلى المغرب.

ويقول عمر إنّ العطلة قدّمت لأخيه لمحة عن حياة أخرى.

وأضاف: "لقد رأى العالم ورأى الحياة وكان سعيداً. مكث هناك لمدة ثلاثة أسابيع لكن الأمر كان كما لو أنه قضى ثلاث سنوات. أمضى السنوات الخمس التالية يتحدث عن رحلته إلى المغرب".

موجة من حالات الانتحار

في الفترة الأخيرة، بدأ حمد يخبر والدته أنه يريد أن يبني حياة، وأن يتزوج ويستقر. لكن مع ضيق الحالة المادية للأسرة، لم يكن لدى الأم سوى القليل من الدعم لتقدمه بخلاف تذكيره بأن "الله سيساعده".

وقال عمر إن شقيقه تحدث عن الانتحار، لكن العائلة لم تتوقع منه أن يتصرف وفقاً لكلماته، حتى صباح أحد الأيام، حين أشعل النار في نفسه إثر نوبة من اليأس.

وعقب الحادث، دعا النائب مرزوق الخليفة الحكومة إلى تشكيل لجنة للنظر في أسباب موجة الانتحار بين أفراد مجتمع البدون.

وقال الخليفة: "نحن نعيش في بلاد مليئة بالنعم... ومع ذلك لدينا أناس يقتلون أنفسهم بسبب ظروف معيشية صعبة وقيود على حياتهم اليومية".

وقال عبد الله الرباح الناشط الذي ينتمي لمجتمع البدون إنه يود أن يرى اعترافا بأهلية 34 ألفا من البدون للحصول على الجنسية، وأن يحصل الباقون على حقوق مدنية تمكنهم من عيش حياتهم.

ويضيف الشاب، البالغ من العمر 35 عاماً، أنه وآخرين مثله يشعرون بالولاء للبلد الذي ولدوا فيه، لكنه يتفهم إحباط الشباب في مجتمعه.

وقال: "هذا هو ثالث جيل بدون حل للقضية، إلى متى سينتظرون؟ بالطبع سيؤثر ذلك عليهم".

بالنسبة لعمر، كل ما يريده الآن هو أن يقف إلى جانب أخيه.

في العادة، كان عمر يخرج من الصليبية كلما سنحت الفرصة، لينسى همومه ويقضي بعض الوقت وحيدا عند البحر. لكنه الآن يزور المستشفى كل يوم للنظر إلى أخيه حمد من أمام نافذة غرفته في وحدة العناية الفائقة.

وينتظر عمر على أمل أن يقدم له الأطباء بشرى سارة.

(تم تغيير جميع الأسماء الواردة في هذا التقرير لحماية هوية الأفراد)

نقلا عن البي بي سي