كان زمان يخاف الأب على أولاده من رفقاء السوء، خوفا من التقاطهم عادات سيئة، كالتدخين والقات، أو ترك الصلاة والتقصير في الذهاب إلى الجامع، أو ترك الدراسة.
اليوم تغير الحال، فخوف الأب بدأ يتغير بتغير الزمان، وبظهور ما هو أسوأ من التدخين وترك الصلاة، فذهاب الطفل إلى المسجد صار يقلق أكثر بكثير من عدم ذهابه، وأصبح ملازمة الوعاظ والانخراط في دوراتهم المذهبية يخوف أكثر بكثير من مقاطعتهم.
من كان يتصور أن المسجد والمدرسة والواعظ صاروا مصادر رئيسية للشر والفجور والدبور والجهل والضياع؟
احرصوا على أولادكم من الوعاظ، ومن سماع المحاضرات الدينية المتطرفة. لا تنجروا خلف عاطفتكم الدينية، وبهجة رؤية أولادكم يحفظون القرآن ويرتادون المساجد، ويطلقون لحاهم، فوالله أن معظم تدين ووعظ اليوم هو الداء والكارثة والمصيبة، والمهدد للحياة، وكل ما هو موجود اليوم في معظم المساجد وغالبية جماجم الوعاظ هو مجرد هدار من أجل السلطة، وحشو سياسي من أجل استعباد الناس.
احرصوا على تقنيين تدين أولادكم على أيدي الغير، وسارعوا إلى تلقينهم الدين النقي السوي المتوازن، والأساسي فقط، فزيادة الدحس والحشو يولد دحيس وتطرف، واغرسوا فضائل حب الآخرين في قلوبهم، والبعد عن التطرف والتزمت وكراهية الناس، وازرعوا في عقولهم أن الناس سواسية.
برأيي أن تحرصوا على دفعهم لقراءة الكتب العلمية، وسماع محاضرات عن العلوم والاختراعات والتقدم العلمي، وسير العلماء؛ الذين أنقذوا البشرية من الفناء، باختراعات الأدوية وأجهزة التطبب، والذين قدموا لنا وسائل النقل المريحة، وليس وعاظ الفتن ومتخصصي السواك وتفاصيل سلس البول، وكيفية التقرب بآل البيت لدخول الجنة.
كما حببوا إليهم الشعر والغناء والرياضة والسفر، والتعايش مع الآخرين.
في مرة كنت عند صديق عزيز، فلاحظت أن ولده المراهق، يقرأ القرآن ويصلي معظم الوقت الذي أمضيته في ضيافتهم، وعند أول نقاش لي معه قال: يجب أن نتقرب إلى الله بكراهية اليهود والنصارى!
كراهية؟!
وفي هذا السن، يا للهول! إنها الحرب يا أشتر
صُعقت من توجه الولد الوسيم المراهق، فهو ماض في رحلة إلى مستنقع سحيق، عنوانه الشقاء والمعاناة، ومصيره إما عضو عامل في مسيرة قرآنية، أو الجنان أو السجن.
ما حمل الشاب الرائع أن يفكر بالكراهية؟ إنهم وعاظ السوء، ومحاضراتهم المتطرفة، وتوظيفهم للدين لأجل السياسة.
وللأسف جاء الوقت الذي يجعلنا أن نخاف على أولادنا من كثرة التدين وليس من قلة الدين.