سألتها: أين حذاؤك يا صغيرتي؟
أجابتني والابتسامة تملأ محياها: لا يوجد لدينا... مضيت في طريقي دون أن أعير ردها الانتباه الكافي، لأن الردود غير المتوقعة هي التي تُعرّج بالمرء بعيداً. بعد ذلك بلحظات وجدتها في دكان صغير في الحي، وهي تقتني متطلبات أبسط من أن تُذكر لعائلتها.
وكما كانت تتحاشى النظر في وجهي في المرة الأولى، فعلتِ الشيء ذاته الآن كي لا أحرجها. لكني تعمّدتُ النظر إليها مجدداً بينما كانت منغمسة في حديثها مع التاجر الطيب. لم أُطل النظر في ملابسها الرثة بقدر ما نظرت إلى قدميها الصغيرتين العاريتين. في الوقت الذي لمحت في عينيها البرّاقتين ما يوحي بأنها تتوقع مني القيام بذلك، وقد تعمّدتْ هي الوقوف في مكان لا يكشف قدميها المغطاتين بالتراب. وما هي إلا لحظات حتى التقت بشقيقتها الأصغر.
كانت هي أيضا لا تنتعل حذاء، ما جعلني أجزم بأن قدمَي تلك الطفلتين أشرفُ من وجوه أولئك الذين نهبوا مدّخرات البلد وبأن للذين يلتحفون العراء قلوباً أطهرَ ممن استباحوا أرزاقهم. وإنّ من يتذرع بأن العالم يحاربه في دينه مارقٌ ليس إلا طالما يسكن هو القصور ولا يستحقّ أن يُطلق عليه وصف "كائن حي"، لأنه لا يموت سوى الحي، ولو كانوا أحياء لماتوا مثلما يموت البؤساء الآف المرات في اليوم، بينما يتصارعون على المناصب ويتباكون أمام العالم بالمظالم التي تعرّضوا لها. وإن اللعنة هي أقل ما يمكن طلبه والدعاء به على المجلس السياسي وحكومة الأنقاض بصنعاء، اللذَين يتبادلا الأدوار ويمارسان التّحايُل على المواطنين وسرقةَ ثروات البلد وتهريبَها في هيأة عملة صعبة إلى الخارج بمعرفة الأمم المتحدة.
وحتى المساعدات يتم بيعها في الأسواق نهاراً جهارا، والعالم يقف وقفة المتفرج، متظاهراً بالعجز عن إخراج الناس مما يعانون منه. اُعذريني يا صغريتي، لتجاهلي وعجزي الخارجين عن إرادتي، واعلمي أن قدميك من وجوههم أكرمُ وأنعم.